السبت، 30 يناير 2016

الرفيق انطونيو غرامشي-2-

https://www.facebook.com/AntonioGramsciArc
«لقد كانت هذه الكراسات بؤرة حياتي الداخلية»انطونيو غرامشيالقسم الأولقضايا التاريخ والثقافة1- المثقفونالحجة الرئيسية التي طرحها غرامشي في مقاله عن المثقفين حجة بسيطة: إن تصور «المثقفين» كفئة اجتماعية متميزة ومستقلة عن الطبقة ليس إلا خرافة، فكل الناس …
.........................
 
مدخلي تضمن هذا القسم بعض الملاحظات الحاسمة في فهم فكر غرامشي السياسي. فهي تعالج طبيعة الفاشية، وإستراتيجية الثورة الملائمة للغرب (أو في العصر الذي كان يكتب فيه غرامشي (أنظر الصفحات التالية)، ونظرية الدولة. وقد يكون أفضل سبيل لتناول…
.....................
 
ترجمة عادل غنيمالناشر: دار المستقبل العربي«لقد كانت هذه الكراسات بؤرة حياتي الداخلية»أنطونيو غرامشيالقسم الثانيهذا الكتاب ترجمة عربية للنسخة الانجليزية من كتابAntonio Gramsci Selctions from Prison Notebooks Edited and…
......................
 
دراسة الفلسفةيتألف هذا القسم من كراسات غرامشي من جزئين: الجزء الأول: بعض المفاهيم الأساسية: ويبدأ باقتراح شروط لتناول ماركسي تاريخاني historicist للنشاط الفلسفي باعتباره تفكيرا نقديا منظما في أشكال الفكر القائمة وعلاقاتها بعالم الواقع الذي أنتجتها…
.....................
 الموقع التجريبي لجريدة الأخبار

أنطونيو غرامشي... حياة في السجن

خليل صويلح
أمضى انطونيو غرامشي (1891ـــ 1937) 11 عاماً في السجن، كتب خلالها 32 دفتراً، رافقته من معتقل إلى آخر. لم يأبه المفكر الشيوعي الإيطالي اللامع لشروط المعتقل السيئة، رغم وضعه الصحي الهش. الحملات الاحتجاجية العالمية التي أُطلقت من أجل حريته، لم تحرك ساكناً لدى السلطة الفاشية الإيطالية. في زنزانته، سنَّ لنفسه خطة عمل لمشروعه الفكري، رغم غياب الوثائق التي كان يحتاجها، معتمداً على ذاكرته وحدها، في ترميم أفكاره. هكذا، أنجز 3 آلاف صفحة مكتوبة بخط اليد، تجوّل خلالها، بين موضوعات مختلفة، تتعلّق بدور المثقف، والإصلاح، وعصر النهضة، ومكيافيلي، ودانتي، والعلمانية، والمجتمع المدني، والفلكلور والأدب. في السجن، كتب رسائل إلى أمه وأصدقائه وعائلته، نُشرت للمرة الأولى عام 1947. ها هي تصدر بنسختها العربية أخيراً بعنوان «رسائل السجن: رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمه» (دار طوى، لندن ـ تعريب سعيد بوكرامي) وهي الجزء الأول من سلسلة ستصدر تباعاً.
خلال تدوين كراساته، كان غرامشي يستكمل نضاله الثوري، في فترة ما قبل اعتقاله، معتبراً الكراسات «بؤرة حياتي الداخلية». وحين صدرت بعد رحيله، في ستة مجلدات، وجد فيها المثقفون إلهاماً قوياً، وجّه أفكارهم إلى مفاهيم جديدة، في ما يخص معنى المثقف العضوي المنخرط في الشأن العام، إذ بنى أفكاره على خلطة من أفكار ماركس ومكيافيلي وهيغل، ولو بنبرة سجالية مفارقة. في رسائله إلى أمه، سعى إلى أن يبدو متماسكاً ومرحاً كي لا تقلق عليه: «لدي سرير لا بأس به، يتوفّر أيضاً لدي مرآة حيث أنظر إلى نفسي، وآلة لتسخين الأكل وإعداد القهوة». لا يغفل هذا المفكر والسيسيولوجي المتفرّد، في رسائله هذه عن طمأنة والدته عن زوجته وأولاده الذين كانوا يعيشون في مكانٍ آخر. وكم كان يبدو مسروراً، حين تصله رسالة من أحدهم، أو صورة شخصية، كما يشرح لأمه تصوراته عن نفسه في محاربة الفاشية، بشكل موارب، إذ يشبّه موسوليني بالطفل الكبير الذي يهدّد بالتبوّل في فراشه. في رسالة لاحقة. في هذه الأثناء، أُصيبت زوجته جوليا بمرض عصبي، ثم سافرت إلى موسكو، ولم تتمكّن من العودة، فيما كانت شقيقته «تاتانيا» تواظب على زيارته في السجن، رغم مرضها.

ويعود إليها الفضل في حفظ دفاتره المكتوبة في السجن. اللافت هنا أن غرامشي المريض، حاول رفع معنويات الآخرين في الخارج، ونبّه أمه ألا تصدق العبث الذي تنشره الجرائد عنه، نافياً التهمة التي ستوجه إليه في المحاكمة المقبلة في روما (1928)، إذ يؤكد أن التهمة ضده تستند إلى تقارير غامضة للشرطة، من دون أدلة، وهو لن يهزم أو ييأس، رغم محاولات الإذلال (لم يكن ينام أكثر من ساعتين في اليوم، وكان عندما يستسلم لغفوة صغيرة، يتولّى الحارس الذي تلقى الأوامر بإزعاجه، فتح وإغلاق باب الزنزانة محدثاً ضوضاء مُتعمدة). في الزنزانة رقم 7047 في سجن «تورينو»، أمضى غرامشي سنواته الأخيرة. تبلوّر مشروعه الفكري بين جدران زنزانته، دفتراً وراء الآخر، وبدلاً من الاستكانة إلى النظرية الماركسية الجامدة، وقف على مسافة من الستالينية، وفي الوقت نفسه اختط منهجه الخاص في علم الاجتماع المفارق لمدرسة فرانكفورت النقدية. من القلق والارتباك في فترة اعتقاله الأولى، إلى الصبر والانهماك في العمل الفكري، حاول تجاوز محنته. لكن في رسالته الأخيرة، بدا كأنه نفد صبره، إذ يشير عرضاً إلى أنه كان مهدّداً دوماً، وأن صحته ليست على ما يرام. لم يكمل محكوميته، فقد مات تحت التعذيب.
.......................

مفهوم المثقف العضوي ودوره في التغيير
أ. د. سيّار الجَميل

مقدمة :
غمرني كتاب جديد صدر مؤخرا للكاتب البريطاني ستيفن جونز الذي كتب ولم يزل يكتب في النظرية الثقافية وفلسفة القوة المعاصرة ، وهو ينشر هذه المرة كتابه الجديد عن الفيلسوف الشيوعي الايطالي الشهير انطونيو غرامشي الذي اشتهر كثيرا بفلسفته عن المثقف العضوي ودوره في تغيير المجتمع ، ذلك المفكر المناضل الذي قضى اكثر من عشر سنوات في سجون الفاشية الايطالية ومات بعد خروجه من السجن وهو في عز الشباب .. الكتاب ربط مقارن محكم بين ما كان عليه التفكير قبل خمسين سنة لما غدا عليه هذا الزمن الراهن واستمرارية افكار غرامشي حية متوقدة تثير بحضورها وتواصلها اهتماما واسع النطاق حتى اليوم . ان المؤلف يشير في مقدمته المثيرة الى ان فلسفة غرامشي لم تزل تعمل في فهم واقعنا الاجتماعي في كل العالم . وهنا اعيد فكرتي من جديد انه ان كانت المتغيرات السياسية سريعة مع تبدلات الواقع السياسي ، فان المتغيرات الاجتماعية قد لا تتبدل سريعا في واقع اجتماعي معين .
اهمية غرامشي :
ان انطونيو غرامشي له اهميته في تاريخ الفكر العالمي المعاصر ، وكان جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية قد اعجب بافكاره الجديدة المنبثقة من حياة المجتمع ومضامين الواقع بعيدا عن المخيال الاييديولوجي الذي توهمه الماركسيون وكتابهم ، علما بأن غرامشي قد ولد وترعرع ماركسيا .. ان نظريته في الهيمنة الغربية التي تبلورت على يديه لم تزل حية ترزق بكل اشكالها التي لم تزل تعاني منها المجتمعات غير الغربية .. انها هيمنة ذات كلمة واحدة ورأي واحد لا تقبل المحاورة ولا المجادلة فكيف تبيح لنفسها التنازل والاقرار بالخطأ ؟؟ ان غرامشي من الد خصوم الاستغلال الرأسمالي الكاسح ، وان ما يحدث حتى يومنا هذا يشير بما لا يقبل مجالا للشك ان الهيمنة لم تزل تحرك كل العالم ضمن ارادة واحدة ، كنت قد اسميتها بـ " الكابيتالية الجديدة " ( أي : الرأسمالية الجديدة ) ضمن ظاهرة العولمة الجديدة . ان غرامشي لا يمكن فهمه حتى اليوم ان لم ندرك ما يحيط العالم من ظروف مادية تاريخية .. ومن هنا ندرك قيمة نظريته عن المثقف العضوي ودوره في تغيير المجتمع . وغرامشي نفسه لا يمكننا فهمه وفهم افكاره ودفاتر كتبها في سجنه الا ضمن سياقه التاريخي والظروف التي عاشها وان ذلك يدعونا لموضعه اي مفكر او مثقف ـ على حد تعبير المؤلف ـ .
وققة عند حياة غرامشي ونضاله
ولد غرامشي عام 1891 في سردينيا جنوب ايطاليا ودرس في جامعة تورين التي انخرط فيها عام 1911 ، وكان في العشرين من العمر .. نشر في الصحف الايطالية في الرابعة والعشرين وكان قد تأثر بموجة الفكر الماركسي وبدأ يدافع عن الشغيلة واوضاعهم المزرية على ايدي الطبقة الرأسمالية .. ثم انتسب الى الحزب الاشتراكي الايطالي ومن هذه اللحظة التاريخية بدأ نضاله المرير اذ تبدل اسم الحزب الى الحزب الشيوعي بعد ذاك . كان غرامشي رقيقا ويتفجر عاطفة مع حس انساني عالي المستوى ، واخذ يدافع عن حقوق العمال المسلوبة .. وكان يأمل ان يتحول التمرد العمالي عام 1917 الى ثورة عارمة ، ولكن باءت احلامه بالفشل وهو يسمع بانتصارات ثورة اكتوبر الاشتراكية التي هدّت الصرح الروسي وانتهاء حكم القياصرة . وكان غرامشي قد تأثر بكتابات الفيلسوف أنطونيو لابريولا : 1843- 1904 ، أهم الماركسيين الإيطاليين الأوائل كان له تأثير جوهري في فكر غرامشي الفلسفي .
يتابع هذا الكتاب سيرورة غرامشي بكل دقة قبل مرحلة السجن والنضال في داخله ، بل ويراقب ما نشره من مقالات لا تعد ولا تحصى وكلها دعوة الى مشروع تثقيف العمال سياسيا وفكريا من اجل تنظيم المجتمع الايطالي واثارة الوعي لدى الطبقة العاملة .. كان يدعو ليل نهار الى بناء ثقافة اشتراكية حديثة ، وقال بأن ذلك لا يتم حصوله الا بتغيير الحزب وانتقاله من الاصلاحية الى الثورية من اجل تفجير الثورة الشاملة ، وهنا يبدو تأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية واضحا عنده ، كونه اعتقد ان وصول البروليتاريا الى الحكم والسلطة ، فان المجتمع سيتغير لا محالة ابدا ، والا فان الرأسمالية وشرور سلطتها ستأكل كل الحياة بفرض ارادتها .
لقد تبدل الحزب الاشتراكي واصبح الحزب الشيوعي الايطالي يوم 21 يناير 1921 ، وغدا غرامشي سكرتيرا عاما له . هكذا اصبح هذا الفيلسوف الماركسي مرجعا مثقفا وعضويا لكل الحركة اليسارية الايطالية ، وقد انتخب نائبا عن مدينة تورين بين عامي 1924- 1926 ، وهكذا اسس جريدة الوحدة الناطقة باسم حزبه .. كان غرامشي قد جمع الثقافة بالسياسة وجمع القيادة بالنضال .. وهذا ما لم يتح الا للندار من المثقفين .. لقد القى الفاشيون القبض عليه عام 1926 بتهمة التآمر على امن الدولة ، وبقي مسجونا حتى عام 1937 ، وما ان خرج من السجن حتى مات بعد ايام قليلة بسبب تدهور صحته وبسبب زمن العذاب المرير الذي غيّبه وهو في عز شبابه على عهد موسليني الفاشيستي ( ص 69 من الكتاب ) . ان اكثر من عشر سنوات قضاها غرامشي في سجنه تعد وصمة عار للنظام الفاشي في ايطاليا ، وهو يسجن مفكر ملتزم ذكي ولم يعّبر الا عن الام شعبه ومعاناة كل المثقفين والعمال والفلاحين والكادحين .
مفاهيم غرامشي
لقد كتب غرامشي اغلب تأملاته وفلسفته وافكاره الناضجة في السجن والتي نشرت بعد ذلك وكان جلها قد كتبها في ( دفاتر السجن الاولى ) و ( دفاتر السجن الثانية ) .. انها تربو على ثلاثين دفترا والتي تضمّنت اراءه عن المجتمع الايطالي ، وتفكيره في النظرية الماركسية وعوامل التغيير للواقع ، واحكامه في الادب والنقد وتربية الاجيال .. ان ابرز المفاهيم التي التصقت به وعرفت عنه حتى اليوم : مفهوم الهيمنة الثقافية ، ومفهوم المثقف العضوي ، وكيف يتم التمييز بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني وشروط التغيير من اجل الاشتراكية .. كما وعرف بنظريته : الحتمية الاقتصادية ونقده للفلسفة المادية ، وهنا يشبه كثيرا المفكر الماركسي الروسي بليخانوف الذي قدّم بدوره هو الاخر نقدا للماركسية . ان غرامشي يفسر الهيمنة الثقافية اقسى بكثير من الهيمنة الاقتصادية ، فالثفافة البرجوازية المسيطرة يتبنى الجميع افكارها بالضرورة ، وخصوصا الطبقة العمالية وتتلبس تصوراتها ، فتغدو الهيمنة ثقافية وفكرية وليست مادية فقط . وعليه ، فان الطبقة المهيمنة هي التي تتحكم بكل المجتمع من دون ان يعارضها احد ( ص 102 من الكتاب ) . تحت عنوان "مشكلات الماركسية " يشير غرامشي إلى أن ماركس أبدع رؤية جديدة للعالم ، وأنه لا يكفي اعتبار الماركسية "شكل تفسير " للتاريخ فحسب ، بل مطلوب تطوير وبناء تصور أنطولوجي للعالم ، نابع ومرتبط عضوياً بالتفسير التاريخي .
مشروع المثقف العضوي
اما مشكلة المثقفين فهي اساسية وجوهرية ، اذ يرى غرامشي ان كل البشر مثقفون بمعنى من المعاني ، ولكنهم لا يملكون الوظيفة الاجتماعية للمثقفين ، وهي وظيفة لا يمتلكها الا اصحاب الكفاءات الفكرية العالية الذين يمكنهم التأثير في الناس .. ومن هنا يستخلص الفارق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي .. الاول يعيش في برجه العاجي ويعتقد انه اعلى من كل الناس ، في حين ان الثاني يحمل هموم كل الطبقات وكل الجماهير وكل الفقراء والمحرومين والكادحين .. وعليه ، فان المثقف الحقيقي هو المثقف العضوي الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا امته .. ان اي مثقف لا يتحسس الام شعبه لا يستحق لقب المثقف حتى وان كان يحمل ارقى الشهادات الجامعية
يكتب غرامشي : "يبدو لنا أكثر الأخطاء شيوعاً ، هو البحث عن معيار التمييز في الطبيعة الجوهرية لأنشطة المثقفين ، بدلاً من البحث عنه في مجمل نسق العلاقات الذي تجري فيه هذه الأنشطة " ثم يردف المؤلف قائلا: " إن نظرية الهيمنة لدى غرامشي لا تنفصل عن مفهومه للدولة الرأسمالية التي يقول عنها بأنها تقود المجتمع عن طريق القوة وعن طريق التراضي في ذات الوقت ". اما الدولة في رأيه فليست هي الحكومة ، انها المجتمع السياسي حكومة وبوليس وجيش ومنظومة قانونية .. ومجتمع مدني يضم الافراد ومجالاتهم الاقتصادية . الاول يسير بطريق القوة والثاني يسيّر بالتراضي .. وهو يرى بأن الرأسمالية الجديدة عرفت كيف تلبي بعض الاصلاحات متجاوبة مع مطاليب النقابات والعمال خوفا من ان تأكلها الثورة الشاملة ضدها ، فحافظت على مكانتها في قيادة المجتمع من دون ان تخسر شيئا .. انها ذكية جدا اذ التفت على اطروحة كارل ماركس التي تنبأت بانهيارها من خلال الثورة الشيوعية الشاملة عندما تصل البروليتاريا الى حد الجوع ، وهذا ما لم تجعله يحصل ( ص 123 من الكتاب ) !
يرى غرامشي ان الحزب الثوري هو وحده القادر على تكوين طبقة جديدة من المثقفين العضويين المرتبطين بهموم الناس وقضايا العمال والفلاحين . ان هؤلاء المثقفون العضويون يمكنهم ان يشكلوا هيمنة بديلة عن الهيمنة الرأسمالية . ومن هنا نستطيع القول ان غرامشي هو الوحيد الذي اعتقد بأهمية المثقفين ودورهم في التغيير اذ كان يؤمن بانهم قادرون على صنع المعجزات اذا ما التزموا بقضية الشعب الاساسية التزاما عضويا وحيويا ويكمل غرامشي قائلا : " ان البورجوازية تخشاهم وتعرف أن نفوذهم كبير ولذلك تحاول أن تشتريهم بأي شكل " ( ص 139 من الكتاب ) .
واخيرا : ما الذي افادنا هذا " الكتاب " ؟
هذا " الكتاب " لا يأتي بمعلومات جديدة ، بل انه يتضمن رؤية من نوع خاص للفيلسوف المناضل انطونيو غرامشي ، وهو كتاب متميز بفصوله الستة ويقدم تحليلات ممتازة للافكار التي بشّر بها غرامشي ، بل ويجد المؤلف اننا حتى يومنا هذا بحاجة الى فكر غرامشي وخصوصا في الوقوف امام الهجمة الرأسمالية الجديدة التي لا يمكن ان يخفف من اكتساحها الا اولئك المثقفون الذين ارتبطوا عضويا بمجتمعاتهم . ان المثقف الحقيقي والعضوي اليوم هو عملة صعبة وصعبة جدا ، اذ يكاد يختفي في خضم اولئك المثقفون التقليديون من طرف واغلبهم رجال دين وموظفين ومهنيين وحرفيين وكتبة .. الخ واولئك المثقفون السلطويون من طرف آخر واغلبهم من الكتبة والاعلاميين والصحفيين والفنانين والمحررين التابعين للسلطويين .. وهنا لابد من الاعتناء بالمثقفين الحقيقيين العضويين الذين يمكنهم ان يكونوا باعمالهم وابداعاتهم ونضالاتهم وترجمة معاناة مجتمعاتهم البديل الحقيقي .
Steven J. Jones, Antonio Gramsci,(New York, Routledge Criticak Thinkers, 2006-2007).
العرب ، 29 ديسمبر 2007
www.sayyaraljamil.com

الرفيق أنطونيو غرامشي

أنطونيو غرامشي

أنطونيو غرامشي
أنطونيو غرامشي فيلسوف ومناضل ماركسي إيطالي، ولد في بلدة آليس بجزيرة ساردينيا الإيطالية عام 1891، وهو الأخ الرابع لسبعة أخوات. تلقى دروسه في كلية الآداب بتورينو حيث عمل ناقدا مسرحيا عام 1916. انضم إلى الحزب الشيوعي الإيطالي منذ تأسيسه وأصبح عضوا في أمانة الفرع الإيطالي من الأممية الاشتراكية.
أصدر مع تولياتي في عام 1917 مجلة النظام الجديد (بالإيطالية: Ordine Nuovo). وفي شهر يوليو 1919

اعتقاله

اعتقل لأول مرة بسبب تأييده للجمهوريتين الهنغارية والروسية لكنه بدأ في خريف العام ذاته تنشيط حركة "مجالس العمال" في تورينو. وفي عام 1921 أسس مع مجموعة أخرى الحزب الشيوعي الإيطالي وانتخب نائبا عام 1924 وترأس اللجنة التنفيذية للحزب. وفي الثامن من نوفمبر أودع السجن بناء على أمر من موسوليني حيث أمضى العشر سنوات الأخيرة من عمره قبل أن يموت تحت التعذيب في 26 أبريل 1937. ومن السجن يعلن قطيعته مع ستالين، وفيه يكتب " دفاتر السجن ".

فكره

يعتبر غرامشي صاحب فكر سياسي مبدع داخل الحركة الماركسية. ويطلق على فكره اسم الغرامشية التي هي فلسفة البراكسيس (النشاط العملي والنقدي _ الممارسة الإنسانية والمحسوسة). وغرامشي يؤكد استقلالية البراكسيس إزاء الفلسفات الأخرى. إنها ممارسة ونظرية في آن معا ولهذا فإنها فلسفة سياسية. إنها التاريخ -الحي-قيد-التكون، وهي كذلك تصور للعالم يمكن استخلاصه من الآثار الماركسية الفريدة التي يعتبر غرامشي أنها تتكون من ثلاثة أقسام: الاقتصاد السياسي والعلم السياسي والفلسفة. وهو ينقب فيها عن المبادئ الموحدة في علاقات الإنسان بالمادة (التي هي نتيجة براكسيس سابق) عبر التاريخ الذي هو إنتاج ذاتي للإنسان.
أنتونيو غرامشي
و المبدأ الموحد من وجهة النظر "الاقتصادية" هو القيمة، ومن وجهة النظر السياسية، الدولة، وأما من وجهة النظر الفلسفية فهو العلاقة بين إرادة الإنسان وبين الأوضاع والمواقف التي ينبغي له تجاوزها. وهذا المبدأ الخير يؤلف بين وجهتي النظر السابقتين لأنه يتيح الانتقال من المستوى الاقتصادي إلى المستوى الخلقي والسياسي. إنه البراكسيس.
و بما أنه ليس ثمة انفصال بين الإنسان والأشياء التي ينتجها، فإنه ذات ومادة اجتماعية وتاريخية مأخوذتان في علاقة جدية مع الضرورة وهذه النظرة هي التي تفسر نظرية غرامشي السياسية. فهو حين يفكر في الدولة ويبرهن أن المجتمع السياسي (أو الدولة) يتكون من أجهزة يغلب عليها القمع فالدولة تتكون من قوى كاسرة (الجيش والبوليس والقضاء التي يحل محلها إبان الأزمات منظمات خاصة كالميليشيات..) ومن أجهزة تصوغ التشريعات وتطبقها (البيروقراطية، الحكومة، البرلمان) وهي الأداة التي تؤمن بها طبقة ما سيطرة على الطبقات الأخرى، وهي تتكون كذلك من أجهزة تغلب عليها الأيديولوجية (المدرسة، الكنيسة، الأحزاب السياسية..) وتؤمن للطبقة المسيطرة رضى الطبقات الأخرى وقبولها بقيادتها لها. غير أن ما يؤمن توحيد هذا كله هم المثقفون الذين تنميهم كل طبقة لتؤمن هيمنتها عبرهم. فمهمة المثقفين هي نشر تصور الطبقة للعالم وتأكيده في وجه مثقفي وتصورات طبقات النظام القديم أو النظام الذي يرهص بالولادة. وهكذا مثلا فإن مثقفي البرجوازية الذين حاربوا المثقفين المرتبطين بالإقطاع (عبر الكنيسة خاصة) عادوا فحاربوا المثقف الجماعي الذي هو أحزاب الطبقة العاملة، أو حاولوا أن يستلحقوه بهم عبر ممارسة اشتراكية-ديموقراطية. وعلى هذا فإن المثقفين يشكلون الاسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية ويتيج تكوين "كتلة تاريخية". وهكذا فإن الدور العملي للفلسفة يتجسد بالحزب الثوري، الذي يرفض الاندماج بالدولة، ويقدم الصراع الايديولوجي على ما عداه ويخوض البراكسيس في كل السياسة محطما بذلك الكتلة الايديولوجية البرجوازية مكونا كتلة تاريخية جديدية في إطار صراع طويل ومعقد أو ما يسميه غرامشي حرب خنادق. وهي حرب ينبغي أن تنمّى وتطور خلالها أشكال تنظيم ذاتي جماهيرية تكون بمثابة جنين تدمير الدولة ورفضا لفصل السياسي عن الاقتصادي وبالتالي تنفيذا لفلسفة جديدة.
ويركز جرامشي في معظم كتاباته عل تحليل القضايا السياسية والثقافية كذلك نقض الزعماء السياسيين ورجال السياسة والثقافة.
أعتقله النظام الفاشيستي الإيطالي بزعامة موسوليني في نوفمبر عام 1926 وأيضا في يونيو 1928، وحكموا عليه بالسجن عشرين عاما، وفي أغسطس 1935 نقلوه الي عيادة خاصة بروما بسبب تدهور حالته الصحية، وتوفي في أبريل عام 1937 متأثرا بنزيف في الدماغ.
ويعد جرامشي مؤسس مفهوم "الهيمنة على الثقافة كوسيلة للابقاء على الحكم في مجتمع رأسمالي "
على صفحة ملحق الاتحاد الثقافي في الامارات

كتاب تأثروا بغرامشي

مصادر

مراجع للاستزادة

  • تناذر غرامشي، برنارد نويل، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2001
  • غرامشي في الديوانية في محل 'المجتمع المدني' من الأعراب، دلال البزري، دار الجديد، 1994
  • قضايا المادية التاريخية، أنطونيو غرامشي، دار الطليعة للطباعة والنشر
  • غرامشي وقضايا المجتمع المدني، غرامشي، دار كنعان للدراسات والنشر،1991
  • ..................

  • دفاتر السجن 

     
    «لقد كانت هذه الكراسات بؤرة حياتي الداخلية»

    انطونيو غرامشي


    القسم الأول

    قضايا التاريخ والثقافة

    1- المثقفون

    الحجة الرئيسية التي طرحها غرامشي في مقاله عن المثقفين حجة بسيطة: إن تصور «المثقفين» كفئة اجتماعية متميزة ومستقلة عن الطبقة ليس إلا خرافة، فكل الناس يمكنهم أن يكونوا مثقفين، بمعنى أن لديهم ذكاء، وأنهم يستخدمونه. ولكنهم ليسوا جميعا مثقفين من حيث الوظيفة الاجتماعية. وينقسم المثقفون من الناحية الوظيفية إلى جماعتين: فهناك أولا المثقفون المحترفون «التقليديون» "traditional intelellectuals " كالأدباء، والعلماء، وغيرهم، الذين تحيط بهم هالة من الحياد بين الطبقات، تخفي وضعهم الحقيقي الناشئ في النهاية عن علاقاتهم الطبقية السابقة والراهنة، كما تخفي تعلقهم بالتكوينات الطبقية التاريخية المختلفة. وهناك ثنايا المثقفون «العضويون» "organic" " intelellectuals " ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة. ولا يتميز هؤلاء المثقفون العضويون بمهنهم، التي قد تكون أية وظيفة تتميز بها الطبقة التي ينتمون إليها، بقدر ما يتميزون بوظيفتهم في توجيه أفكار وتطلعات الطبقة التي ينتمون إليها عضويا.

    وتؤثر مضامين هذا التصور العام البالغ التفرد في كل جوانب فكر غرامشي. فهو من الناحية الفلسفية يرتبط بقول غرامشي أن «كل الناس فلاسفة». كما يتصل بكل مناقشته لقضية انتشار الإيديولوجية والأفكار الفلسفية في ثقافة معينة. وهي تتصل أيضا بأفكاره عن التعليم التي تؤكد على الطبيعة الديمقراطية للوظيفة الثقافية--function-- intelellectual، وعلى الطبيعة الطبقية لعملية تكوين المثقفين عن طريق المدرسة. كما يمكن هذا التصور خلف دراسة غرامشي للتاريخ، وبصفة خاصة دراسته «لحركة النهضة والوحدة الايطالية في القرن التاسع عشر» "Risorgemento". وهذا يتمثل في رؤيته للوظيفة الجوهرية للمثقفين بالمعنى الواسع، وظيفة الوسيط بين القوى البقية المتصارعة.

    وقد يكون الأهم من هذا كله الدلالات التي ينطوي عليها هذا التصور العام بالنسبة للصراع السياسي. فقد كانت الاشتراكية الديمقراطية المثالية لكاوتسكي، تميل إلى النظر إلى العلاقة بين المثقفين والعمال في الحركة الاشتراكية نظرة ميكانيكية، حيث يقدم المثقفون (اللاجئون الفارون من الطبقة البرجوازية) النظرية والإيديولوجية (والقيادة في أغلب الأحيان) لقاعدة جماهيرية من غير المثقفين، للعمال. وقد وجد هذا التقسيم للعمل داخل الحركة معارضة شديدة من جانب لينين الذي أعلن في: ما العمل؟ أنه في الحزب الثوري ينبغي أن تمحى «كافة الفروق بين العمال والمثقفين». ويرتبط موقف لينين من قضية المثقفين ارتباطا وثيقا بنظريته في الحزب الطليعي. وعندما كتب عن الحاجة إلى نقل الفكر الاشتراكي إلى الطبقة العاملة من خارجها، كان يتطلع إلى القيام بهذه المهمة لا إلى الانتلجنتسيا التقليدية، وإنما إلى الحزب الثوري ذاته، الذي ينصهر فيه العمال والمثقفون المحترفون السابقون في وحدة واحدة متماسكة. وطوَّر غرامشي هذا التصور اللينيني المبسط بربطه بقضايا الطبقة العاملة ككل. فالطبقة العاملة شانها شأن البرجوازية قبلها، قادرة على أن تنمي من داخل صفوفها مثقفيها العضويين. ووظيفة الحزب السياسي، سواء كان طليعيا أم جماهيريا هي أن يكون قناة لنشاط هؤلاء المثقفين العضويين. وأن يكون همزة الوصل بين الطبقة العاملة وبعض قطاعات الانتلجنتسيا التقليدية. إن ما يحدد المثقفين العضويين للطبقة العاملة، هو دورهم في الإنتاج، وفي تنظيم العمل من جهة، ودورهم «القيادي» "--dir--ective" السياسي الذي يتركز في الحزب من جهة أخرى. فبهذا التصدي الواعي للمسؤولية الذي يستند إلى استيعاب الأفكار وإلى الكوادر التي تنتمي إلى أكثر شرائح مثقفي البرجوازية تقدما، هو السبيل إلى تخلص البروليتاريا من النزعة الطائفية الدفاعية "defensive corporatism"، ومن الانحراف الاقتصادي economism، والتقدم لتولي القيادة Hegemony.

    *************

    تكوين المثقفين

    هل المثقفون جماعة اجتماعية متميزة ومستقلة، أم أن لكل جماعة اجتماعية فئة المثقفين المتخصصة الخاصة بها؟ إنها قضية معقدة، نظرا لتنوع الأشكال التي اتخذتها حتى الآن العملية التاريخية لتكوين مختلف فئات المثقفين، وأهمها شكلان:

    1- إن كل جماعة اجتماعية تظهر إلى حيز الوجود في عالم الإنتاج الاقتصادي، حيث تؤدي وظيفتها الجوهرية، تخلق معها عضويا شريحة أو أكثر [29] Strata من المثقفين، تمنحها التجانس والوعي بوظيفتها، لا في الميدان الاقتصادي وحده، بل في الميدانين الاجتماعي والسياسي أيضا. فالمنظم الرأسمالي يخلق إلى جانبه الفني في الصناعة، والمتخصص في الاقتصاد السياسي، ومؤسسو الثقافة الجديدة، ومبدعو النظام القانوني الجديد، الخ.

    ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المنظم ذاته يمثل مستوى أعلى من حيث التطور الاجتماعي. فهو يتميز بالفعل بمقدرة قيادية (--dir--igerte) ، وتكنيكية معينة (أي مقدرة فكرية intellectual ). فينبغي أن تكون لديه مقدرة تكنيكية خاصة، لا في مجال نشاطه ومبادرته المحدود فحسب، بل في ميادين أخرى أيضا، على الأقل تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإنتاج الاقتصادي. فيجب أن يكون قادرا على تنظيم جماهير الناس، وعلى خلق الثقة لدى المستثمرين في منشأته، ولدى الزبائن في منتجاته، الخ.

    وإذا لم يكن لدى كل المنظمين enterpreneurs المقدرة على تنظيم المجتمع عامة، ابتداء من أجهزة الخدمات المعقدة حتى جهاز الدولة، فينبغي أن تتوفر هذه المقدرة التنظيمية، على الأقل في نخبة élite من بينهم [30]، ذلك لأن هناك حاجة إلى خلق أفضل الظروف لتوسع طبقتهم، وأن يكونوا قادرين على الأقل على اختيار من يمثلونهم (موظفون متخصصون) الذين يعهدون إليهم بالقيام بهذا النشاط المُنَظِّم للنسق العام للعلاقات القائمة خارج مجال الأعمال ذاتها. ويلاحظ أن المثقفين «العضويين» الذين تخلقهم أية طبقة جديدة إلى جانبها، وتصقلهم خلال تطورها، يمثلون في أغلب الأحوال «تخصصات» في بعض الجوانب الجزئية للنشاط الأصلي للنمط الاجتماعي الجديد الذي برز على أيدي الطبقة الجديدة. [31]

    حتى اللوردات الإقطاعيين كانوا يملكون مقدرة فنية من نوع خاص، مقدرة عسكرية. وكان فقدان الارستقراطية لاحتكارها الفن العسكري إيذانا بأزمة النظام الإقطاعي. أما قضية تكوين المثقفين في العالم الإقطاعي وفي العالم القديم قبله، فينبغي أن تبحث على استقلال، وأن تدرس سبل ووسائل تكوينهم وتطورهم دراسة عينية. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن كتلة الفلاحين تقوم بوظيفة أساسية في عالم الإنتاج، فإنها لم تخلق مثقفيها «العضويين»، ولم «تستوعب» أية شريحة من شرائح المثقفين «التقليديين» بالرغم من أن الفلاحين هم من تستمد منهم الجماعات الاجتماعية الأخرى معظم مثقفيها، فضلا عن أن نسبة عالية من المثقفين التقليديين من أصل فلاحي. [32]

    2- ومن ناحية أخرى، فإن أية جماعة اجتماعية «أساسية» انبثقت تاريخيا عن البنية الاقتصادية السابقة، تجد كتعبير عن تطورها (على مر التاريخ كله وحتى الآن) فئات من المثقفين، يبدو لنا، أنها تمثل في الواقع استمرارية تاريخية، لم تقطعها حتى أعمق التغيرات في الأشكال السياسية والاجتماعية وأكثرها تعقيدا.

    ورجال الدين هم النموذج الأمثل لهذه الفئات من المثقفين، التي ظلت تحتكر لفترة طويلة (طوال مرحلة تاريخية كاملة تميزت جزئيا بهذا الاحتكار) عددا من الخدمات الهامة: الإيديولوجية الدينية، أي فلسفة وعلم ذلك العصر، إلى جانب المدارس، والتعليم، والأخلاق، والقضاء، والأعمال الخيرية، الخ.

    ويمكن اعتبار فئة رجال الدين فئة المثقفين المرتبطة عضويا بأرستقراطية ملاك الأرض. وهي تتمتع بمركز قانوني مساوٍ لها. فهي تشاركها في ممارسة حقوق الملكية الإقطاعية للأرض، وفي الاستفادة بامتيازات الدولة المرتبطة بهذه الملكية. [33]غير أن ممارسة رجال الدين لاحتكارهم في ميدان البنية الفوقية لم يخل من الصراع، ولم يكن بلا حدود. ومن هنا كان ميلاد فئات أخرى من المثقفين –اتخذت صورا مختلفة (ينبغي دراستها دراسة عينية عميقة)- شجعتها وساعدت على توسعها قوة السلطة المركزية المتنامية للملك، حتى قيام الحكم المطلق absulutism. وهكذا تكونت فئة من البرجوازيين الذين أصبحوا نبلاء noblesse de robe لها امتيازاتها الخاصة، تلك الشريحة من المديرين والعلماء والمنظرين والفلاسفة من غير رجال الدين وغيرهم...

    وعندما اكتشفت هذه الفئات المختلفة من المثقفين التقليديين –بفضل «روح الفريق» " esprit de corps"- استمراريتها التاريخية، التي لم تنقطع، ومؤهلاتها الخاصة، طرحت نفسها كفئة متميزة ومستقلة عن الجماعة الاجتماعية المسيطرة. وكان لهذا التقييم الذاتي آثارا بعيدة المدى في الحقلين السياسي والإيديولوجي. ويمكن الربط بسهولة بين الفلسفة المثالية ككل، ووضع التركيبة الاجتماعية للمثقفين. ويمكن تعريف الفلسفة المثالية بأنها تعبير عن تلك اليوتوبيا الاجتماعية التي يتصور فيها المثقفون أنهم «مستقلون» ومتميزون، وأن لهم شخصيتهم الخاصة، الخ.

    ومع ذلك، ينبغي أن نلاحظ أنه إذا كان البابا وكبار رجال الكنيسة يعتبرون ارتباطهم بالمسيح والرسل أقوى من ارتباطهم بالسناتور أنيللي Agnelli والسناتور بنيِّ Benni [34]. ، فإن هذا لا يصدق على جنتيلي Genteile وكروتشه Croce، فمثلا يشعر كروتشه بالذات بارتباطه الوثيق بأرسطو وأفلاطون، وإن كان من ناحية أخرى لا يخفي صلاته بالسناتورين أنيللي وبنيِّ. وهنا على وجه التحديد، يمكننا أن نتبين أهم ما يميز طابع فلسفة كروتشه.

    ما هي الحدود «القصوى» للمعنى المتعارف عليه لكلمة «مثقف»؟

    هل يمكننا التوصل إلى معيار واحد لتحديد الطابع المميز لكافة أنشطة المثقفين المتفرقة والمتنوعة، والتمييز في نفس الوقت، بصورة جوهرية، بينها وبين أنشطة التجمعات الاجتماعية الأخرى؟

    يبدو لنا أن أكثر الأخطاء شيوعا، هو البحث عن معيار التمييز، في الطبيعة الجوهرية لأنشطة المثقفين، بدلا من البحث في مجمل نسق العلاقات الذي تجري فيه هذه الأنشطة (وبالتالي جماعات المثقفين الذين يجسدونه) داخل المركب العام للعلاقات الاجتماعية. فالعامل أو البروليتاري مثلا، لا يتميز في الحقيقة بعمله اليدوي الآلي بالذات، وإنما بأدائه لهذا العمل في ظل ظروف معينة وعلاقات اجتماعية محددة (بصرف النظر عن أن العمل العضلي المحض لا وجود له. وحتى تعبير تيلور Taylor [35]

    «الغوريللا المدرية» "trained gorilla" ليس إلا تعبيرا مجازيا، يبين الحد الذي يمكن أن يذهب إليه اتجاه معين: ففي أي عمل عضلي، حتى أكثر الأعمال تدنيا وآلية لابد أن يتوفر فيه حد أدنى من المؤهل الفني (أي الحد الأدنى للنشاط الفكري الخلاق). وكما سبق أن لاحظنا، لا بد أن يتمتع المنظم enterpreneur، بحكم وظيفته ذاتها، بقدر معين من المؤهلات التي لها طبيعة فكرية، وإن كان دوره في المجتمع لا يتوقف عليها، بل تحدده العلاقات الاجتماعية العامة التي تحدد على الأخص وضع المنظم في الصناعة.

    يمكننا إذن، أن نقول أن كل الناس مثقفون، ولكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع. [36] فعندما نميز بين المثقفين وغير المثقفين non-intellectuals، فإننا في الحقيقة نشير فقط إلى الوظيفة الاجتماعية المباشرة، أي تلك الفئة المهنية من المثقفين. أي أنه لا ينبغي أن يغيب عنا العنصر الغالب في نشاطهم المهني النوعي. الإبداع الفكري أم الجهد العضلي-العصبي muscualar-nervous effort. وهذا يعني أنه إذا كان بإمكاننا الحديث عن المثقفين، فإنه لا يمكننا الحديث عن غير المثقفين لأنه لا وجود لهم. بل أن نسبة الجهد العقلي إلى الجهد العضلي-العصبي في الإبداع الفكري ليست ثابتة. فهناك درجات متفاوتة من النشاط الفكري. ولا يوجد نشاط بشري خال من مساهمة شكل من أشكال النشاط الفكري، فلا يمكننا أن نفصل الإنسان الصانع Homo faber عن الإنسان كنوع homo sapiens . [37] وكل إنسان –في النهاية- يقوم –خارج نطاق نشاطه- المهني بشكل من أشكال النشاط الفكري، أي أنه «فيلسوف»، فنان، ذوّاق، يشارك الآخرين رؤيتهم الخاصة للعالم وله مسلكه الأخلاقي الواعي. وهو بهذا يساهم في المحافظة على رؤية معينة للعالم أو يشارك في تغييره. أي أنه يساهم بذلك في خلق طرائق جديدة في التفكير.

    إن قضية خلق فئة جديدة من المثقفين هي إذن قضية التطوير النقدي critical elaberation للنشاط الفكري الذي يتمتع به كل الناس بدرجة أو بأخرى. وذلك بتغيير نسبته إلى النشاط العضلي-العصبي، لتحقيق توازن جديد بينهما ولضمان أن يصبح الجهد العضلي-العصبي ذاته –باعتباره أحد عناصر النشاط العملي العام، الذي يجدد باستمرار العالم والاجتماعي- لضمان أن يصبح أساسا لرؤية جديدة ومتكاملة للعالم.

    إن النمط التقليدي الشائع للمثقف يتمثل في الأديب، والفيلسوف، والفنان. لذلك، فإن الصحفيين الذين يدعون أنهم أدباء وفلاسفة وفنانين يعتبرون أنفسهم أيضا المثقفين"الحقيقيين". لابد إذن، أن يشكل التعليم الفني ـ في العالم الحديث ـ المرتبط بالعمل الصناعي حتى في مستواه البدائي غير المؤهل، لابد أن يشكل أساس خلق مثقف من نوع جديد.

    وعلى هذا الأساس عملت مجلة "أوردين نوفو" Ordine Nuovo [38] (8) الأسبوعية على تنمية أشكال جديدة من "العقلانية" "intellectualism" وتحديد مفاهيمها الجديدة. غير أن هذا لم يكن السبب الوحيد لنجاحها. فقد كانت هذه الرؤية تتفق مع الطموحات الكامنة، ومع تطور الأشكال الحقيقية للحياة. فلم يعد أسلوب المثقف الجديد يعتمد على البلاغة التي هي محرك خارجي مؤقت للمشاعر والعواطف، بل أصبح يعتمد على المشاركة الإيجابية في الحياة العملية كبانٍ ومنظم لها، "مهمته الدائمة الإقناع" لا أن يكون مجرد خطيب (ولكن فكره في نفس الوقت، أرقى من الفكر الرياضي المجرد). فمن التكتيك كعمل technique-as-work ينطلق الإنسان إلى التكنيك كعلم technique-as-science، والى المفهوم الإنساني للتاريخ، الذي بدونه يبقى الإنسان "متخصصا" "spechialised" دون أن يصبح "قائدا" "--dir--ctive" [39] (متخصص وسياسي Specialised and political).

    وهكذا تشكلت تاريخيا فئات متخصصة لممارسة الوظيفة الثقافية intellectual --function--. وقد ارتبطت هذه الفئات في نشأتها بكل الجماعات الاجتماعية، وعلى الأخص بأهمها. وارتبط تطورها الشامل والمعقد بالجماعة الاجتماعية المسيطرة. فأهم ما يميز أية جماعة تتجه إلى السيطرة، هو نضالها من أجل استيعاب المثقفين التقليديين، وإخضاعهم "إيديولوجيا". غير أن هذا يتحقق على نحو أسرع وأفعل إذا ما نجحت في نفس الوقت في إعداد مثقفيها العضويين.

    إن النمو الهائل لنشاط التعليم بمعناه الواسع، وتطور تنظيمه في المجتمعات التي انبثقت عن العالم الإقطاعي، دليل على الأهمية التي اكتسبتها الوظائف الثقافية والفئات المثقفة في العالم الحديث. فإلى جانب محاولة تعميق وتوسيع "الجانب الفكري" "intellectuality" في كل فرد، كانت هناك أيضا محاولة للإكثار من التخصصات المختلفة، وتضييقها. وهذا يتجلى في المؤسسات التعليمية على كل المستويات، بما في ذلك الهيئات القائمة على تنمية ما يسمى "بالثقافة الرفيعة" في كافة ميادين العلم والتكنولوجيا.

    والمدرسة هي الأداة التي تستخدم لخلق وتطوير المثقفين على اختلاف مستوياتهم. ويمكن ـ موضوعيا ـ قياس مدى تعقد الوظيفة الثقافية في الدول المختلفة بعدد ومستويات المدارس المتخصصة. فكلما اتسعت "مساحة التعليم" وزاد عدد مستوياته "الرأسية"، كلما زاد تعقد عالم الثقافة والحضارة في الدول المعنية. ويمكننا أن نجد شيئا مشابها لذلك في مجال التكنولوجيا الصناعية: فيمكننا أن نقيس مستوى تصنيع أي بلد بمستوى تجهيزه لإنتاج المعدات التي تنتج الآلات، ولصناعة أدوات أكثر دقة لإنتاج تلك الآلات وهلم جرا... والبلدان الأفضل تجهيزا في مجال صناعة أدوات معامل التجارب العلمية، وفي صناعة الأدوات اللازمة لاختبارها، هي البلدان الأكثر تعقيدا من الناحية التكنيكية ـ الصناعية، وتتمتع بأعلى مستوى حضاري.. الخ. وهذا ينطبق أيضا على إعداد المثقفين، وعلى المدارس المتخصصة في هذا الإعداد، مدارس ومعاهد الثقافة الرفيعة. وفي هذا المجال لا يمكن فصل الكم عن الكيف، فأرقى التخصصات الثقافية ـ التكنيكية لابد أن يقابله أوسع انتشار ممكن للتعليم الأولي، وبذا أقصى الجهد لتوسيع المستويات الوسطى middle grades عدديا بقدر الإمكان.

    هذه الحاجة إلى توفير أوسع قاعدة لانتقاء وتطوير المؤهلات الراقية، هذه الحاجة لها بطبيعة الحال مثالبها: فهي تخلق إمكانية حدوث أزمة بطالة واسعة في صفوف الشريحة الوسطى من المثقفين. وهذا هو ما يحدث حاليا في المجتمعات الحديثة.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن عملية تكوين فئات المثقفين intellectual strata المختلفة في الواقع الملموس لا تجرى على أرضية الديموقراطية المجردة، بل وفقا لعمليات تاريخية تقليدية محددة.

    لقد نضجت الفئات التي "تنتج" عادة المثقفين، وهي تتطابق مع الفئات المتخصصة في "الادخار"، أي البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، من ملاك الأرض، وبعض شرائح البرجوازية الحضرية الصغيرة والمتوسطة.

    إن تباين توزيع أنماط التعليم المختلفة (الكلاسيكية والمهنية) [40] على الساحة "الاقتصادية"، وتباين تطلعات الفئات المختلفة لهذه الشرائح، هو الذي يحدد أو يشكل إنتاج مختلف فروع التخصص الفكري. ففي إيطاليا مثلا، تنتج البرجوازية الريفية موظفي الدولة على الأخص، والمهنيين بينما تنتج البرجوازية الحضرية الفنيين اللازمين للصناعة. فشمال إيطاليا هو الذي ينتج معظم الفنيين بينما ينتج الجنوب الموظفين والمهنيين.

    وليست علاقة المثقفين بعالم الإنتاج علاقة مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للجماعات الاجتماعية الأساسية، وإنما هي علاقة غير مباشرة، "يتوسطها" "mediated"، بدرجات متفاوتة، نسيج المجتمع كله، ومركب الأبنية الفوقية، التي يعتبر المثقفون بالتحديد «موظفوها» "--function--aries". والمفروض أن يمكن قياس «الطبيعة العضوية» "organic quality" organicita لشرائح المثقفين المختلفة، ودرجة ارتباطها بجماعة اجتماعية أساسية، وتحديد تدرج gradation لوظائفها وللأبنية الفوقية من القاع إلى القمة (من قاعدة البناء إلى ذروته). وما يمكننا أن نفعله الآن، هو تحديد «مستوين» رئيسيين للأبنية الفوقية أحدهما هو ما يمكن أن نسميه «المجتمع المدني» "civil society" أي مجموعة الهيئات التي توصف عادة بأنها هيئات «خاصة» "private"، والمستوى الآخر هو «المجتمع السياسي» "Political Society" أو «الدولة». ويقابل هذين المستوين: وظيفة «الهيمنة»/«القيادة» "hegemony" التي تمارسها الجماعة الحاكمة في المجتمع كله من جهة، ووظيفة «السيطرة المباشرة» "--dir--ect domination" أو الأمر command التي تمارسها من خلال الدولة وحكم «القانون» government"Juridical" من جهة أخرى. وهي بالتحديد وظائف تنظيمية ورابطة connective. والمثقفون هم «نواب» "deputies" الجماعة الحاكمة، يمارسون وظائف ثانوية في الهيمنة الاجتماعية Social hegemony والحكم السياسي، وتشمل هذه الوظائف:

    1- إن «قبول» "consent" الجماهير العريضة التلقائي للاتجاه العام الذي تفرضه الجماعة الأساسية الحاكمة على الحياة الاجتماعية، إنما يرجع تاريخيا إلى النفوذ (وبالتالي الثقة) التي تتمتع بها بحكم وضعها ووظيفتها في الإنتاج.

    2- يفرض جهاز قوة الدولة الجبرية «قانونيا»، الانضباط على تلك الجماعات التي تقف موقف عدم «القبول» الايجابي أو السلبي. وإن كان الجهاز قد أنشئ لمواجهة المجتمع كله، تحسبا للحظات الأزمة التي تتعرض لها السيطرة Command والقيادة، إذا ما تعذر القبول التلقائي.

    إن طرح المسألة على هذا النحو يؤدي إلى توسيع مفهوم المثقف إلى درجة كبيرة. غير أنه السبيل الوحيد للاقتراب من الواقع العيني لنتناوله بطريقة محددة. فضلا عن أن هذا التوسع في مفهوم المثقف يصطدم بالمفاهيم المسبقة عن الطائفة (الطبقة المغلقة) Cast.

    وتقتضي وظيفة الهيمنة/القيادة الاجتماعية. وسيطرة الدولة –بلا شك- نوعا من تقسيم العمل، وبالتالي تدرجا هرميا للمؤهلات اللازمة لوظائف بعضها لا ينتسب في الظاهر إلى وظائف القيادة والتنظيم. وعلى سبيل المثال، يوجد في جهاز قيادة المجتمع والدولة مجموعة كاملة من الوظائف ذات الطابع اليدوي الآلي (العمل غير التنفيذي non executive work وهو أقرب إلى عمل العمال منه إلى عمل الموظفين [41]ن officials´-or---function--aries . ومثل هذا التمييز ضروري.

    والحق، أنه لابد من التمييز بين مستويات النشاط الفكري المختلفة، استنادا إلى خصائصها الجوهرية، حيث يظهر الاختلاف النوعي الحقيقي بينها في اللحظات التي تبلغ فيها المعارضة أقصاها exterme opposition: في أعلى المستويات، نجد مبدعو العلم والفلسفة والفن، الخ. وفي أدناها، نجد أقل «المديرين» شأنا، وناشري تراث الفكر التقليدي الموجود والمتراكم. [42]

    لقد طرأ على فئة المثقفين –بهذا المعنى- في العالم الحديث توسع لم يسبق له مثيل. فقد ولّد النظام الديمقراطي –البيروقراطي عددا هائلا من الوظائف، التي لا تبررها ضرورات الإنتاج الاجتماعية، وإن كانت تبررها الضرورات السياسية للجماعة الأساسية الحاكمة dominant fundamental group. [43] Loria «للعامل» «غير المنتج» "worker" the unproductive (ولكن، غير منتج بالنسبة لمن؟ وبالنسبة لأي أسلوب إنتاجي؟) وقد يكونلهذا المفهوم ما يبرره، إذا أخذنا في الاعتبار استغلال تلك الأعداد الهائلة من الموظفين لوضعها، لتقطع لنفسها شريحة كبيرة من الدخل القومي. [44] لقد وحّدت عملية تشكيل الأفراد بالجملة mass formation نمطهم النفسي والمهني. وهذا هو ما فعلته أيضا بالجماهير الأخرى المنمطة standardised masses: تحتم المنافسة قيام منظمات للدفاع عن المهن، كما تحتمه البطالة وتكدس الطلبة في المدارس، والهجرة، الخ.

    اختلاف وضع نمط مثقفي المدن عن وضع نمط مثقفي الريف
    نما المثقفون الذين ينتمون إلى النمط الحضري مع نمو الصناعة وارتبطوا بمصيرها. ويمكن تشبيه وظيفتهم بوظيفة صغار الضباط في الجيش، فليس لهم حق المبادرة المستقلة في وضع خطط البناء. ومهمتهم هي تحقيق الترابط المحكم بين المنظم enterpreneur وكتلة العمل الآلي instrumental mass ويقومون بالتنفيذ المباشر لحظة الإنتاج التي تقررها قيادة الصناعة، ويشرفون على مراحل العمل الأولية. ويمكن القول بصفة عامة، أن مثقفي المدينة العاديون منمطون للغاية. أما كبار مثقفي المدينة فيتوحدون أكثر فأكثر مع قيادة الصناعة ذاتها.

    أما مثقفو الريف فأغلبهم من النمط «التقليدي» "traditional"، فهم يرتبطون بالأغلبية الساحقة من أهل الريف، وبالبرجوازية الصغيرة في المدن (لاسيما المدن الصغيرة) التي لم يطورها ويحركها بعد النظام الرأسمالي. هذا النمط من المثقفين هو همزة الوصل بين جماهير الفلاحين والإدارة المحلية وإدارة الدولة (المحامون والمحضرون، الخ). وأصبحت لهم بسبب هذا النشاط وظيفة اجتماعية-سياسية هامة إذ يصعب فصل الوساطة المهنيةproffessinal mediation عن الوساطة السياسية political mediation. وعلاوة على ذلك: يتمتع المثقف في الريف (القس والمحامي والمحضر والمدرس والطبيب الخ) بمستوى معيشي أعلى، أو على الأقل مختلف عن مستوى معيشة الفلاح العادي، ولهذا فهو يمثل في نظره نموذجا اجتماعيا يتطلع إليه في طموحه لتحسين حالة أو للخلاص منها. فالفلاح يحلم دائما أن يصبح واحد على الأقل من أبنائه مثقفا (قسيسا على الأخص)، وبهذا يصبح سيدا، ويرفع من المستوى الاجتماعي لأسرته بتيسير حياتيها الاقتصادية، وذلك بفضل ما سوف يكون له من صلات بغيره من السادة.

    وموقف الفلاح من المثقف موقف مزدوج ومتناقض. فهو يحترم المركز الاجتماعي الذي يتمتع به المثقفون وموظفو الدولة عامة، ولكنه يتظاهر أحيانا بازدرائهم، وهذا يعني أن إعجابه بهم يمتزج أحيانا بمشاعر غريزية، مشاعر الحقد والغضب المتقد. وما لم نأخذ في الاعتبار تبعية الفلاحين الفعلية للمثقفين، وندرسها دراسة عينية عميقة، فلن نفهم شيئا عن حياتهم الجماعية، وما يختمر داخلها، وبذور تطورها. فأي تطور أساسي لجماهير الفلاحين يرتبط إلى حد ما بحركات المثقفين ويعتمد عليها.

    أما بالنسبة لمثقفي المدينة فالأمر يختلف. فالفنيون في المصنع لا يمارسون وظيفة سياسية بالنسبة للجماهير العاملة، أو على الأقل انتهت المرحلة التي كانوا يؤدون فيها هذه الوظيفة، بل أن العكس هو الذي يحدث أحيانا، عندما تمارس الجماهير العاملة –على الأقل من خلال مثقفيها العضويين- تأثيرا سياسيا في الفنيين.

    تبقى النقطة الرئيسية في القضية، وهي التمييز بين المثقفين كفئة عضوية category organic في جماعة اجتماعية أساسية، والمثقفين كفئة تقليدية traditional category. ويترتب على هذا التمييز سلسلة من الإشكالات والقضايا التي يمكن أن تكون موضوعا للبحث التاريخي.

    وأهم هذه القضايا –إذا ما درسنا من هذه الزاوية- هي تلك التي تتصل بالحزب السياسي الحديث، جذوره الحقيقية، وما يطرأ عليه من تطورات وما يتخذه من أشكال. ما هي طبيعة الحزب السياسي من حيث علاقته بقضية المثقفين؟ لا بد من التفرقة بين عدة أمور:

    1- ليس الحزب السياسي بالنسبة لبعض الجماعات الاجتماعية إلا طريقتها الخاصة في تكوين وتطوير فئة مثقفيها العضويين في الحقل السياسي والفلسفي مباشرة، وليس في حقل تكنيك الإنتاج وحده. هكذا يتكون هؤلاء المثقفون، ولا يمكن أن يتكونوا بطريقة أخرى، مع أخذ الطابع العام للجماعة الاجتماعية، وشروط تكوينها، وحياتها وتطورها في الاعتبار. [45]

    2- والحزب السياسي بالنسبة لكل الجماعات هو بالتحديد ذلك الجهاز الذي يقوم في المجتمع المدني بذات الوظائف التي تقوم بها الدولة على نحو أكثر تركيبا وأوسع نطاقا في المجتمع السياسي. إنه بعبارة أخرى مسؤول عن تحقيق التلاحم بين المثقفين العضويين لجماعة معينة –الجماعة الحاكمة- والمثقفين التقليديين. [46] ويخضع أداء الحزب لهذه الوظيفة خضوعا تاما لوظيفته الأساسية، وهي خلق الأجزاء المكونة له، أي تلك العناصر من الجماعة الاجتماعية التي ولدت وتطورت كجماعة «اقتصادية» " economic group " وتحويلها إلى مثقفين سياسيين مؤهلين، أي قادة --dir--igenti ومنظمين لكافة الأنشطة والوظائف اللصيقة بالتطور العضوي لمجتمع مدني وسياسي متكامل. ويمكن القول، أن الحزب السياسي يؤدي في مجاله وظيفته على نحو أكمل وأكثر عضوية مما تفعل الدولة في مجالها وهو كما هو معروف مجال أوسع كثيرا. والمثقف الذي ينضم إلى الحزب السياسي لجماعة اجتماعية معينة يندمج في جماعة المثقفين العضويين لهذه الجماعة ذاتها، ويرتبط بها ارتباطا وثيقا. وهذا قد يحدث إلى حد ما من خلال المشاركة في حياة الدولة، وقد لا يحدث قط. والحق أن كثيرا من المثقفين يعتقدون أنهم هو الدولة، ويترتب على هذا الاعتقاد نتائج هامة، نظرا لحجم لتلك الفئة، كما بسبب تعقيدات سيئة للجماعة الاقتصادية الأساسية the fundamental economic group، التي هي الدولة في واقع الأمر.

    إن القول بأنه ينبغي اعتبار كل أعضاء الحزب مثقفين، قد يكون مدعاة للسخرية والتندر. ولكننا إذا أمعنا فيه النظر تبينا مبلغ دقته. بالطبع هناك مستويات لابد من التمييز بينها. وأي حزب لابد لان يكون له نصيب كبر أم صغر من المثقفين من أعضائه في المستويات العليا والدنيا. غير أن هذه ليست هي القضية، فما يعنينا هنا هو الوظيفة، سواء كانت قيادية أو تنظيمية أي تثقيفية educative، أي فكرية intellecual. فلا التاجر ينضم إلى حزب سياسي ليزاول الأعمال، ولا رجل الصناعة لينتج أكثر بتكلفة أقل، ولا الفلاح ليتعلم أساليب جديدة للفلاحة، حتى وإن وجدوا في الحزب ما يلبي بعض هذه الحاجات. [47]

    ولتحقيق هذه الأغراض، تنشأ الجمعيات المهنية التي تعتبر الإطار الملائم للنهوض بالنشاط الاقتصادي-الطائفي economic-corporate للتاجر ورجل الصناعة والفلاح. وفي الحزب السياسي تتجاوز عناصر الجماعة الاقتصادية تلك اللحظة من تطورها التاريخي، وتصبح عناصر فاعلة في أنشطة أعم، ذات طابع قومي ودولي. وستصبح وظيفة الحزب السياسي هذه، أكثر وضوحا من خلال التحليل التاريخي العيني لفئتي المثقفين: العضويين والتقليديين معا في السياق التاريخي الوطني الذي يختلف من بلد إلى آخر، وفي سياق مختلف الجماعات الاجتماعية الرئيسية في كل أمة، لاسيما تلك الجماعات التي يغلب الطابع الآلي على نشاطها الاقتصادي.

    إن نشأة المثقفين التقليديين هي المسألة الأهم من الناحية التاريخية. لقد ارتبطت نشأتهم –بلا شك- بنظام الرق في العالم القديم، وبمكانة المحرِّرين من أصل إغريقي أو شرقي في النظام الاجتماعي للامبريالية الرومانية.

    ملحوظة
    :

    إن تغيير المكانة الاجتماعية للمثقفين في روما في الفترة ما بين العصرين الجمهوري والإمبراطوري (التحول من نظام ارستقراطي –طائفي إلى نظام ديمقراطي- بيروقراطي) يرجع إلى قيصر الذي منح المواطنة إلى الأطباء وكبار أساتذة العلوم العقلية liberal arts لتشجيعهم على الإقامة في روما، ولكي يغري الآخرين بالمجيء إليها.

    ("Omnesque médicinam Romae professos et liberalium artium doctores, quo libentius et ispi urbem incolerent et coeteri appeterent civitate donavit"). Suetonius, life of Caesar, XLII)

    لذا اقترح قيصر: 1- أن يسمح للمفكرين الموجودين فعلا في روما بالإقامة فيها وبهذا خلق فئة مستقرة من المثقفين، طالما أنه يستحيل خلق تنظيم ثقافي بدون توفير الإقامة الدائمة لهم. و2- جذب أفضل المثقفين من كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية إلى روما، وبهذا يدعم المركزية على نطاق هائل. هكذا نشأت فئة مثقفي «الإمبراطورية»"imperial" intelectuals في روما، الذين يعتبر رجال الدين الكاثوليك امتدادا لهم، والذين تركوا بصماتهم على تاريخ المثقفين الايطاليين. مثال ذلك «النزعة الكوزموبوليتانية» " cosmopolitanism" التي يتميزون بها، والتي استمرت حتى القرن الثامن عشر.

    هذا الانفصال بين جماهير المثقفين العريضة والطبقة الحاكمة الذي حدث في عهد الإمبراطورية –الرومانية- وهو ليس مجرد انفصال اجتماعي بل قومي وعرقي – وقد حدث مرة أخرى بعد سقوطها: انفصال المحاربين الجرمان عن المثقفين من أصل روماني مكتسب، خلفاء العبيد المحررين. وتشابكت هذه الظاهرة وتداخلت مع ميلاد وتطور الكاثوليكية Catholicism والتنظيم الكنسي eclisiatical organisation، الذي استحوز لقرون عديدة على الشطر الأعظم من الأنشطة الفكرية، ومارس احتكار توجيه الثقافة، وتوقيع العقوبات الجنائية على كل من يحاول معارضة هذا الاحتكار أو التحايل عليه. وفي إيطاليا، يمكننا ملاحظة الوظيفة الكوزوموبوليتانية cosmopolitan --function-- لمثقفي شبه الجزيرة، والتي تختلف فاعليتها من فترة إلى أخرى. والآن، ننتقل إلى بيان أوجه الاختلاف –التي تظهر على الفور- في تطور المثقفين في عدد من أهم البلدان، على أن نتحقق من صحة هذه الملاحظات وان نتفحصها بعمق.

    والحقيقة الأساسية، فيما يتعلق بايطاليا، هي بالتحديد الوظيفة الدولية أو الكوزوموبولولتانية للمثقفين، وهي سبب ونتيجة في آن واحد، لحالة التفكك التي بقيت عليها شبه الجزيرة منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية حتى عام 1870.

    أما فرنسا، فتقدم لنا مثلا لشكل مكتمل ومتناغم لنمو طاقات الأمة، ولفئات المثقفين بصفة خاصة.

    فالتجمع الاجتماعي الجديد الذي ظهر سياسيا على مسرح التاريخ عام 1789، كان مهيأ للقيام بكل وظائفه، ومن ثم كان قادرا على الكفاح من أجل بسط سيطرته الشاملة على الأمة. ولم يكن بحاجة إلى تقديم أي تنازلات جوهرية للطبقات القديمة. بل بالعكس استطاع أن يخضعها لأهدافه.

    لقد ولد النمط الجدد من الخلايا الفكرية intellectual cels مع ميلاد الخلايا الاقتصادية الأولى التي تناظرها –حتى التنظيم الكنسي خضع لتأثيرها (الجاليكانية [48] galcanism، والصراع المبكر بين الكنيسة والدولة). ويبين لنا هذا البناء الثقافي الهائل الدور الذي لعبته الثقافة في فرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهو الإشعاع الخارجي، الدولي والكوزوموبوليتاني، وتوسيع الهيمنة الامبريالية بصورة عضوية. إن تجربة فرنسا الثقافية تختلف اختلافا كبيرا عن تجربة ايطاليا التي قامت على هجرة أشخاص متفرقين، ولم يكن لها انعكاس على القاعدة الوطنية، بل العكس ساهمت في الحلول دون بناء قاعدة وطنية، صلبة.

    ويختلف تطور المثقفين في انجلترا كثيرا عنه في فرنسا، فالتجمع الاجتماعي الجديد the new Social grouping الذي نما على أساس التنظيم الصناعي الحديث modern industrialism قد كشف عن تطور اقتصادي-نقابي economic corporate development غير عادي، وإن كان لا يزال يتلمس طريقة للتقدم في الميدان السياسي-الثقافي. لقد كانت هناك فئة عريضة من المثقفين العضويين، نشأت مع الجماعة الاقتصادية على ذات الأرضية، أرضية الصناعة. أما في المستويات العليا، فنجد أن طبقة ملاك الأرض القديمة تحتفظ بموقعها، باحتكارها الفعلي. لقد فقدت تفوقها الاقتصادي، ومع ذلك حافظت لفترة طويلة على تفوقها السياسي-الثقافي. ثم تم استيعابهم «كمثقفين تقليديين»، وكجماعة قائدة --dir--igente --dir--ective في الجماعة الجديدة الحاكمة. لقد كانت ارستقراطية ملاك الأرض القديمة ترتبط ارتباطا وثيقا برجال الصناعة. هذا النوع من الارتباط هو الذي وحد المثقفين التقليديين والطبقات السائدة الجديدة في البلدان الأخرى.

    وعرفت ألمانيا أيضا الظاهرة الانجليزية، وإن كانت أكثر منها تعقيدا، بما تضمنته من عناصر تاريخية وتراثية. لقد كانت ألمانيا قبل ايطاليا مركزا لمؤسسة إيديولوجية عالمية تتجاوز الحدود القومية، هي الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية، وفرت بعض الكوادر personel للكوزموبوليس Cosmopolis [49] مما أفقر طاقتها المحلية، وأثار المعارك التي ألهتها عن مشاكل التنظيم الوطني، وأبقى على التفتت الإقليمي الذي تميزت به العصور الوسطى.

    وجرى تطور الصناعة داخل غلاف شبه إقطاعي بقي حتى نوفمبر 1918. وحافظ اليونكرز Junkers على تفوقهم الثقافي-السياسي، وفاقوا في هذا المضمار نظرائهم في انجلترا.

    كان هؤلاء هم المثقفون التقليديون لرجال الصناعة الألمان، ولكنهم، كانوا يحتفظون ببعض الامتيازات الخاصة. وكان وعيهم قويا باستقلالهم كجماعة اجتماعية، استنادا إلى حيازتهم لقدر معتبر من القوة الاقتصادية التي تتمثل في الأرض التي كانت في ألمانيا أكثر خصوبة منها في انجلترا. [50]

    كان اليونكرز البروسيون أشبه بطبقة عسكرية-كهنوتية مغلقة caste priestly-military تتمتع باحتكار فعلي للوظائف القيادية-التنظيمية في المجتمع السياسي. وفي نفس الوقت كانت لهم قاعدتهم الاقتصادية الخاصة، ومن ثم لم يكونوا يعتمدون على أريحية الجماعة الاقتصادية السائدة. وعلاوة على ذلك، كان اليونكرز –على خلاف الارستقراطية الانجليزية المالكة للأرض- يشكلون طبقة الضباط في جيش دائم كبير، مما وفر لهم الكوادر التنظيمية، وساعد على المحافظة على روح الفريق، وعلى احتكارهم السياسي. [51]

    وفي روسيا تتابين الملامح: فالنورمان (فارانجيانز Varangians) [52] هم الذين خلقوا التنظيم السياسي-الاقتصادي-التجاري. والإغريق البيزنطيون هم الذين أنشأوا التنظيم الديني. وفي فترة لاحقة نقل الألمان والفرنسيون التجربة الأوربية إلى روسيا. وأنشأوا أول هيكل متماسك للبنية الحية للتاريخ الروسي. فقد كانت القوى الوطنية خاملة وسلبية، ومتلقية. غير أن هذا قد يكون بالتحديد السبب في استيعابها وتمثلها الكامل للمؤثرات الأجنبية، وللأجانب أنفسهم وروسنتهم.

    ونجد الظاهرة العكسية في مرحلة تاريخية أحدث. ظاهرة هجرة نخبة من أنشط أعضاء المجتمع وأكثرهم فاعلية وإقداما إلى الخارج. وتمثلهم لثقافة أكثر بلاد الغرب تقدما ولخبراتها التاريخية، دون أن تفقد مع ذلك أهم الخصائص الجوهرية لأمتها. أي دون أن تفصم عرى ارتباطها العاطفي والتاريخي بشعبها. وقد عادت إلى بلادها، بعد أن أنهت مرحلة تلمذتها الفكرية، وفرضت الصحوة على الشعب الروسي فرضا، متخطية في هذه العملية مراحل تاريخية بأكملها. ويتمثل الفرق بين النخبة، والنخبة التي استوردها (بطرس الأكبر مثلا) من ألمانيا، يتمثل في طابعها الوطني-الشعبي المميز. ولم يكن ممكنا أن تستوعبها سلبية الشعب الروسي الخامل، لأنها كانت تمثل رد فعل روسيا الايجابي على قصورها التاريخي.

    وعلى أرضية أخرى، وبالرغم من اختلاف الظروف اختلافا كاملا زمانا ومكانا، يمكننا مقارنة الظاهرة الروسية بميلاد الأمة الأمريكية (في الولايات المتحدة). فالمهاجرون الانجلوسكسون أنفسهم، نخبة فكرية، بل وعلى الأخص، نخبة أخلاقية moral elite. إننا نتحدث بالطبع عن المهاجرين الأوائل، عن الرواد، أبطال المعارك السياسية والدينية في انجلترا الذين هزموا وإن لم يذلّوا أو يستسلموا في بلدهم الأصلي. لقد جلبوا معهم إلى أمريكا، بالإضافة إلى الطاقة المعنوية وقوة الإرادة، مستوى معينا من الحضارة، أي مرحلة معينة من التطور التاريخي الأوربي، ظلت تنمى القوى الكامنة في طبيعة أمريكا، في تربيتها البكر، عندما استزرعها هؤلاء الرجال، وذلك بإيقاع أسرع بما لا يقارن بما حدث في أوروبا القديمة، حيث توجد سلسلة من الكوابح (المعنوية والفكرية والسياسية والاقتصادية، التي تتجسد في قطاعات معينة من السكان وبقايا النظم السابقة، التي ترفض أن تموت) التي تولد مقاومة الإسراع بخطى التقدم، وترفض الرقابة على أية مبادرة، فتتبدد في الزمان والمكان.

    وفي حالة الولايات المتحدة، يلاحظ افتقارها إلى المثقفين التقليديين إلى حد كبير، ولهذا كان هناك توازنا مختلفا بين المثقفين عامة. وكان هناك تطورا لمختلف أنواع الأبنية الفوقية الحديثة يستند إلى قاعدة الصناعة. ولم تكن الحاجة إلى اندماج المثقفين العضويين والمثقفين التقليديين، وهي التي أملت ضرورة تحقيق التوازن. وإنما أملته الحاجة إلى صهر أشكال الثقافة المختلفة التي جلبها المهاجرون ذوي الأصول القومية المختلفة في بوتقة الثقافة القومية الواحدة.

    والافتقار إلى طبقة واسعة –تكونت على مر الزمن- من المثقفين التقليديين، كتلك التي نجدها في بلاد الحضارات القديمة، يفسر لنا –جزئيا على الأقل- وجود حزبين سياسيين كبيرين فقط (قارن هذا بالحال في فرنسا، ليس فقط في فترة ما بعد الحرب، عندما أصبح تكاثر الأحزاب ظاهرة عامة) كما يفسر أيضا الظاهرة المناقضة لها تماما، ظاهرة الانتشار الهائل للطوائف الدينية. [53]

    وثمة ظاهرة أخرى في الولايات المتحدة تستحق الدراسة، هي نشأ، عدد مذهل من المثقفين الزنوج الذين استوعبوا الثقافة والتكنلوجيا الأمريكية. وينبغي ألا ننسى ما قد يكون لهؤلاء المثقفين الزنوج من تأثير غير مباشر على الجماهير المتخلفة في أفريقيا. ويمكن اعتباره تأثيرا مباشرا إذا ثبت صحة أي من هذين الفرضين:

    1-أن تستخدم النزعة التوسعية الأمريكية american expansionim زنوج أمريكيين كوكلاء لها في فتح السوق الأفريقية، وفي نشر الحضارة الأمريكية (حدث شيء من ذلك وإن كنا نعرف إلى أي مدى).

    2- أن يشتد النضال من اجل توحيد الشعب الأمريكي على نحو يدفع الزنوج إلى الهجرة، وعودة أكثر العناصر المثقفة استقلالا ونشاطا إلى أفريقيا، أي تلك العناصر الأقل استعدادا للاذعان لأي تشريع قد يصدر في المستقبل ويكون أكثر إذلالا لهم من الأعراف الاجتماعية الشائعة الراهنة. ويترتب على هذا التصور نتيجتان:

    1-نتيجة لغوية: هل يمكن أن تصبح اللغة الانجليزية لغة الثقافة والمثقفين educated language في أفريقيا، فتحل وحدة اللغة ذلك الحشد من اللهجات الموجودة؟

    2-هل يمكن أن يكون لهذه الشريحة من المثقفين قدرة على الاستيعاب والتنظيم كافية لإضفاء طابع «وطني» على شعور الزنوج البدائي الحالي بكونهم جنسا محتقرا. فتصبح للقارة الأمريكية وظيفة أسطورية، تصبح الوطن المشترك لكل الشعوب الزنجية؟

    يبدو لنا حاليا أن روح الزنوج القومية والعنصرية، سلبية أكثر منها ايجابية. وهي نتاج لصراع البيض لعزل الزنوج وكبتهم. ولكن، ألم تكن هذه هي حال اليهود حتى القرن الثامن عشر وطواله؟ إن ليبيريا التي تأمركت، وأضحت الانجليزية لغتها، يمكن أن تصبح قبلة الزنوج الأمريكيين، وأن تجعل من نفسها بيدمونت Piedmont أفريقية . [54]

    ينبغي في اعتقادنا أن نضع في الاعتبار بعض الظروف الجوهرية عند النظر في مسألة المثقفين في أمريكا الوسطى والجنوبية، فلا يوجد فيها فئة واسعة من المثقفين التقليديين. غير أن هذا لا يعني أن المسألة تطرح نفسها هنا كما تطرح في الولايات المتحدة. فجذور تطور تلك البلدان يرجع في الحقيقة إلى أنماط الحضارة الأسبانية والبرتغالية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، التي تتميز بتأثرها بحركة الإصلاح المضاد counter reformation وبالعسكرية الطفيلية military parasitism. وتتمثل العناصر المتبلورة المقاومة للتغيير، والتي لا تزال باقية حتى الآن، في رجال الدين والطبقة العسكرية المغلقة military، وهما فئتان من المثقفين التقليديين تحجرتا وبقيتا على صورتهما الموروثة عن البلد الأوروبي الأم. لقد كانت القاعدة الصناعية محدودة للغاية فلم تسمح بتطور أبنية فوقية معقدة، فغالبية المثقفين من النمط الريفي. ولما كان كبار ملاك الأرض latifundium هم الطبقة المسيطرة، وكانت الكنيسة تستحوز على أملاك واسعة، فقد ارتبط هؤلاء المثقفين برجال الدين وكبار الملاك. والتركيب القومي للسكان مختل للغاية، حتى بين السكان البيض. وزادت تعقيدا وجود جماهير غفيرة، من الهنود الذين يشكلون في بعض البلدان أغلبية السكان.

    ويمكننا أن نقول، أنه لا يزال يوجد في تلك المناطق من القارة الأمريكية، وضع مماثل للوضع الذي شهد الكفاح الثقافي Kultur Kumpf [55] ، ومحاكمة دريفوس Drifus trial، حيث لم يكن العنصر العلماني البرجوازي قد بلغ بعد المرحلة التي يكون فيها قادرا على إخضاع نفوذ ومصالح رجال الدين والعسكريين للسياسة العلمانية للدولة الحديثة. ومن هنا كان التأثير الكبير لحركة المارسونيين الأحرار Free Masonry، وأشكال التنظيم الثقافي الأخرى، «كالكنيسة الوضعية» " positivist Church " في معارضة النزعة الجزويتية Jesuitism. وتثبت الأحداث الأخيرة (نوفمبر 1930) دقة هذه الملاحظات، ابتداء من كفاح كولز الثقافي Calls Kulturkampf قي المكسيك [56]، حتى الانتفاضة العسكرية الشعبية في الأرجنتين والبرازيل وبيرو وشيلي وبوليفيا.

    وفي الهند والصين واليابان، نجد أنماطا أخرى لتكوين فئات المثقفين، ولعلاقاتهم بالقوى الوطنية. ففي اليابان نجد تكوينا للمثقفين من الطراز الانجليزي والألماني، أي حضارة صناعية تنمو داخل غلاف إقطاعي –بيروقراطي- له سماته الخاصة التي لا تخطئها العين.

    وفي الصين نجد ظاهرة النص المكتوب the Script، وهي تعبير عن انفصال المثقفين عن الشعب. والفجوة الهائلة التي تفصل بينهما، في الصين والهند، تتجلى أيضا في الحقل الديني.

    إن قضية تباين فئات المجتمع المختلفة، واختلاف طرائق فهمها وممارستها لنفس الدين، وخاصة بين رجال الدين والمثقفين والشعب، هي قضية تحتاج للدراسة عامة، لاسيما أن هذا الاختلاف موجود بدرجة أو بأخرى في كل مكان، ونجد أقصى أشكاله تطرفا في بلدان شرق آسيا. وهو طفيف نسبيا في البلاد البروتستانتية. (حيث يرتبط انتشار الطوائف بالحاجة إلى تحقيق التلاحم الكامل بين المثقفين والشعب، والذي يؤدي إلى إعادة إنتاج التصورات الفعلية للجماهير الشعبية بكل ما فيها من فجاجة في مجال المستويات التنظيمية العليا) وهو اختلاف جدير بالملاحظة في البلدان الكاثوليكية، وإن تفاوت مداه من بلد إلى آخر. فهو ملحوظ بدرجة أقل في الأجزاء الكاثوليكية من ألمانيا، وفي فرنسا، وبدرجة أكبر في ايطاليا، وخاصة في الجنوب وفي الجزر. وهو في الحقيقة كبير جدا في شبه جزيرة أيبريا وفي بلدان أمريكا اللاتينية. ويتسع نطاق هذه الظاهرة في البلاد الأرثوذكسية. وهنا لابد من التسليم بوجود ثلاث مراتب degrees في الدين الواحدة كبار رجال الدين والرهبان، ورجال الدين العلمانيون، والشعب.

    ويصل هذا الاختلاف في شرق آسيا إلى حد لا يصدقه عقل، حيث لا علاقة البتة لدين الشعب بدين الكتب، وإن حملا ذات الاسم.

    ****************************************************
    هذا الكتاب ترجمة عربية للنسخة الانجليزية من كتاب

    Antonio Gramsci Selctions from Prison Notebooks Edited and translated by: QUINTIN HOARE And GEOFFERY NOWELL SMITH

    الصادر عن دار:

    LAWRENCE AND WISHART-LONDON-1978

    ترجمة عادل غنيم

    الناشر: دار المستقبل العربي

الخميس، 28 يناير 2016

المناضلة كونسبسيون توماس




رام الله-رايــة:
جميل ضبابات- قليلون من الفلسطينيين وكثيرون من المارة في شارع بنسيلفانيا 1600 يعرفون كونسبسيون توماس. الفلسطينيون القليلون هم جزء من الصحفيين أو الزوار الدوليين لعاصمة الولايات المتحدة، الذين قادتهم خطاهم للوقوف أمام الجدار الحديدي حول البيت البيضاوي، والكثيرون أولئك السكان الذين يحثون خطاهم يوميا من ذلك الشارع الذي يمر من أمام حديقة بيت الرئيس.
الجميع يشاهد المرأة المثيرة للانتباه، بخوذتها ووشاحها، وخيمة البلاستيك التي لا ينفك المارة عن تصويرها. هذه الصورة التي اجتاحت على مدار عقود صحف ووكالات أبناء العالم، منها عدد قليل من مواقع الأخبار الفلسطينية.
في العام 1979 وصلت الى ذلك الشارع كونسبسيون، بعد أن أنهت عملها في بورصة نيويورك، لتباشر عملا جديدا مختلفا تماما. بدأت بالاحتجاج على سياسة الرؤساء الأميركيين، إزاء مسائل كثيرة منها القضية الفلسطينية، إلى جانب انتشار الأسلحة النووية والعنف ضد الأطفال.
على مدار ثلاثة عقود لازمت المرأة التي صارت جزءا من مشهد البيت الأبيض خيمتها البلاستيكية. وعلى مدار تلك السنوات ذكرت القضايا التي تناضل من أجلها أمام كل زائر توجه إليها بسؤال. التقيت كونسبسيون في يوم بارد في شتاء 2012، كانت حديقة البيت الأبيض هادئة، إلا من جلبة خفيفة أحدثتها بعض ذكور السناجب. خلال ثوان قليلة استطاعت المرأة أن تشرح هدفها في الحياة: "منع العالم من تدمير نفسه".
مرت العاصفة الأعتى التي ضربت الولايات المتحدة قبل يومين بينما كانت كونشيتا أو كوني كما دعاها أصدقاؤها، تعيش آخر ساعاتها قبل أن تسلم روحها أمس للخالق . حري بنا أن نتذكر كوني المهاجرة الإسبانية، المناضلة الأميركية، السيدة المهذبة، التي دخل الكثيرون الى البيت الأبيض وخرجوا منه، فيما ظلت هي على دأبها: جالسة من أجل إسماع صوتها الخفيف الهادئ.
موت هادئ في واشنطن
............................
 
نابلس 26-1-2016 وفا- جميل ضبابات
قليلون من الفلسطينيين وكثيرون من المارة في شارع بنسيلفانيا 1600 يعرفون كونسبسيون توماس.
الفلسطينيون القليلون هم جزء من الصحفيين أو الزوار الدوليين لعاصمة الولايات المتحدة، الذين قادتهم خطاهم للوقوف أمام الجدار الحديدي حول البيت البيضاوي، والكثيرون أولئك السكان الذين يحثون خطاهم يوميا من ذلك الشارع الذي يمر من أمام حديقة بيت الرئيس.
الجميع يشاهد المرأة المثيرة للانتباه، بخوذتها ووشاحها، وخيمة البلاستيك التي لا ينفك المارة عن تصويرها. هذه الصورة التي اجتاحت على مدار عقود صحف ووكالات أبناء العالم، منها عدد قليل من مواقع الأخبار الفلسطينية.
في العام 1979 وصلت الى ذلك الشارع كونسبسيون، بعد أن أنهت عملها في بورصة نيويورك، لتباشر عملا جديدا مختلفا تماما.
بدأت بالاحتجاج على سياسة الرؤساء الأميركيين، إزاء مسائل كثيرة منها القضية الفلسطينية، إلى جانب انتشار الأسلحة النووية والعنف ضد الأطفال.
على مدار ثلاثة عقود لازمت المرأة التي صارت جزءا من مشهد البيت الأبيض خيمتها البلاستيكية. وعلى مدار تلك السنوات ذكرت القضايا التي تناضل من أجلها أمام كل زائر توجه إليها بسؤال. التقيت كونسبسيون في يوم بارد في شتاء 2012، كانت حديقة البيت الأبيض هادئة، إلا من جلبة خفيفة أحدثتها بعض ذكور السناجب. خلال ثوان قليلة استطاعت المرأة أن تشرح هدفها في الحياة: "منع العالم من تدمير نفسه".
مرت العاصفة الأعتى التي ضربت الولايات المتحدة قبل يومين بينما كانت كونشيتا أو كوني كما دعاها أصدقاؤها، تعيش آخر ساعاتها قبل أن تسلم روحها أمس للخالق .
حري بنا أن نتذكر كوني المهاجرة الإسبانية، المناضلة الأميركية، السيدة المهذبة، التي دخل الكثيرون الى البيت الأبيض وخرجوا منه، فيما ظلت هي على دأبها: جالسة من أجل إسماع صوتها الخفيف الهادئ.
.........................






الجمعة، 22 يناير 2016

منتظر الزيدي...قصة حذاء صحفي

حذاء بوش .. لعبة إلكترونية جديدة على الإنترنت

محيط: هاني ضوَّه وعبدالمنعم فريد



لقطة من اللعبة
لم تكد تمر ساعات على انتشار واقعة ضرب الرئيس الأمريكي بوش "بالحذاء" من قبل الصحفي العراقي الشاب منتظر الزيدى أثناء مصافحته لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فى مقر الأخير، حتى ظهرت على الإنترنت لعبة إلكترونية جديدة تحاكي ما حدث أطلقوا عليها اسم ""Sock and Awe أو "إضرب بقوة".

وتعطي اللعبة التى يمكن ممارستها "اون لاين" عبر موقع www.sockandawe.com للمستخدم فرصة "ذهبية" لتقمص دور منتظر الزيدي الصحفى العراقي التى قذف الحذاء تجاه بوش الذي نجح فى تفاديه فى حركة رياضية شبهتها الصحف الأمريكية بـ"بات مان".

واللعبة هي عبارة عن تمثيل دقيق لحادثة ضرب بوش حيث يوجد يد تمسك بحذاء، ويقابلها منصة تحمل شعار جمهورية العراق ورئاسة الوزراء يقف عليها جهة اليمين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وعلي يساره الرئيس الأمريكي جورج بوش ويوضع خلفهما أعلام للعراق وأمريكا.



في اللعبة يظهر بوش في أماكن عدة لثوان معدودة، ويحاول اللاعب عن طريق "الماوس" التصويب تجاه وجهه بالحذاء حتى يصيبه، تماماً مثلما فعل منتظر الزيدي، وكلما أصاب الحذاء وجه بوش تحسب نقطة، وبالتالي يتأخر وجه بوش في الظهور مرة أخرى أو يحاول استخدام طرق تكتيكية لتفادي الحذاء الذي يقذفه اللاعب. وفي النهاية يحتسب الموقع عدد الأحذية التي أصابت وجه بوش وتطبع عليه أثر الحذاء ليس فقط التي حققها اللاعب ولكن أيضاً مجموع نقاط اللاعبين السابقين على مستوى العالم.



ومن الغريب والمثير للضحك أيضاً أن الموقع الذي يستضيف اللعبة الجديدة لضرب بوش بالحذاء هو موقع أمريكي اسمه "GO Dady".






وفي أمريكا كذلك انتشرت لعبة أخرى لا تختلف كثيراً عن اللعبة السابقة، حيث ذكرت جريدة "تليجراف" أنه عقب هذه الحادثة انتشرت لعبه بعنوان "Bush's Boot Camp" ولكن يستخدم فيها الأسلحة النارية بالإضافة إلى الأحذية من نوع الـ"بوت" أو غيرها، ومقر اللعبة في البيت الأبيض.

وليست هذه اللعبة هي الأولى التي تسخر من الرئيس الأمريكي جورج بوش، فقد تم مؤخراً إطلاق لعبة "تكسير عظام بوش" حيث تصور بوش بالراقص.

ويتحكم اللاعب فيه بالماوس ويستطيع أن يكسر عظامه كيفما يشاء، ويمكنك فعل ذلك من خلال موقع اللعبة على الرابط التالي:
http://www.planetdan.net/pics/misc/georgerag.swf

..................
صورة معبرة عن منتظر الزيدي
لحظة رشق الحذاء من منتظر الزيدي لرئيس الولايات الأمريكية السابق جورج بوش

تصغير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

تاريخ الولادة 15 يناير 1979 (العمر 37 سنة)
مكان الولادة مدينة بغداد وسط العراق
الجنسية العراق
مواطنة العراق
تعليم خريج كلية الإعلام الجامعة العربية المفتوحة في الدنمارك
العمل مراسل صحفي وكاتب مقالات
اللقب اشتهر في بعض وسائل الإعلام برامي الحذاء أو قاذف الحذاء
ديانة الشيعة
تعديل طالع توثيق القالب

منتظر الزيدي (15 يناير 1979 -) هو مراسل صحفي عراقي ركزت تقاريره على محنة الأرامل والأيتام والأطفال بسبب الحرب على العراق [1][2].

اشتهر بقذفه زوجي حذائه صوب الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد في 14 ديسمبر 2008، فأصاب أحدهما علم الولايات المتحدة خلف الرئيس الأميركي بعد أن تفادى الحذاء بسرعة فائقة، وبحسب القنوات الفضائية (الرافدين والبغدادية) فقد كسرت ذراعه أثناء اعتقاله من قبل الحرس القائمين على الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.[3]، وقد أودع في أحد سجون العراق بعد الحادث مباشرة، ويذكر أن الرئيس بوش أكمل المؤتمر الصحفي مع المالكي. وفي تعليق لبوش على الموقف قبل 17 يوم على انتهاء ولايته الدستورية كرئيس للولايات المتحدة قال: «هذا أغرب شيء أتعرض له» [4]. ويذكر أن هذه هي الزيارة الرابعة لجورج بوش إلى العراق منذ عام 2003.

سبق لمنتظر أن اختطف في 16 نوفمبر 2007 فيما كان يتوجه إلي مقر عمله وقد عاد إلى أسرته في التاسع عشر من نفس الشهر بعد ثلاثة أيام من اختطافه دون دفع فدية مالية وقد نقلت وكالة أسوشيتيدبريس عن أحد محرري القناة قوله: "إن أحد زملاء الزيدي اتصل بهاتفه المحمول ظهر يوم الجمعة فرد عليه شخص غريب وقال له (إنس منتظر)" وقال المحرر للوكالة "إن هذا عمل عصابة إجرامية، لأن تقارير منتظر كانت دائما معتدلة ومحايدة".

منتظر الزيدي يسكن مدينة الصدر، إحدى ضواحي بغداد والتي تعتبر معقل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر. وقد شهد اليوم التالي لحادثة رشق الرئيس بوش بالحذاء تظاهرة شعبية في مدينة الصدر تطالب بإطلاق سراح الزيدي بحجة أنه كان يمارس الديمقراطية التي تدعو إليها الولايات المتحدة.

محتويات

1 نبذة عن الزيدي
2 اختطاف الزيدي
3 حادثة رمي الحذاء
3.1 استجواب الزيدي بعد الحادث
3.2 ردود أفعال وسائل الإعلام العربية والعالمية
3.2.1 بيان قناة البغدادية عقب الحادث
3.2.2 وسائل الإعلام العربية
3.2.3 وسائل الإعلام العالمية
3.3 ردود أفعال الرأي العام العربي والعالمي
3.4 حذاء الزيدي
3.5 محاكمة الزيدي
3.6 حكم
3.7 إطلاق سراحه
4 منتظر الزيدي يلقى نفس المصير
5 التحية الأخيرة للرئيس بوش
6 موقفه من الثورة السورية
7 مصادر
8 انظر أيضًا
9 وصلات خارجية

نبذة عن الزيدي

منتظر الزيدي من مواليد 15 يناير 1979، مسلم شيعي [5]، نشأ في مدينة الصدر إحدى ضواحي بغداد [6]. تخرج من كلية الإعلام بجامعة بغداد [7]، وهو أعزب ويعيش في شقة وسط بغداد [8][9]، وله ثلاثة أشقاء وأخت واحدة. يتميز بهدوء طبعه مع زملائه، معروف برفضه الاحتلال الأميركي للعراق [10][11]. ويعرف الزيدي بمهاجمته للسياسة الأمريكية في العراق من خلال التقارير التي يبثها من على شاشة قناة البغدادية حيث يعمل بالقناة منذ إنشائها عام 2005 [12]. كان عضوا في اتحاد طلبة العراق وهو مستقل من أي انتماء حزبي [11].

يقول أحمد علاء - أحد أصدقاء الزيدي المقربين وزميله بقناة البغدادية - لإسلام أونلاين أن أحد أفضل تقارير الزيدي كانت حول زهراء التلميذة العراقية الصغيرة التي قتلت برصاص قوات الاحتلال فقد وثّقَ المأساةَ في تحقيقه الصحفي، يُكملُ بالمقابلاتِ مَع عائلتِها وجيرانِها وأصدقائِها. وأضاف علاء: "هذا التقريرِ أكسبَه احترامَ العديد مِنْ العراقيين ورَبحَه العديد مِنْ القلوبِ في العراق". كما رفض الزيدي عرضا بالعمل مع قناة "موالية للاحتلال" [13]. قال بعض أصدقاء الزيدي أنه تأثر عاطفيا بما شاهده من انفجارات في مدينة الصدر [14]

مُزهر الخفاجي رئيس الزيدي في قناة البغدادية يقول عنه أنه "عربي فخور وذو عقل متفتح" وأضاف "هو ليس له روابط بالنظام السابق فقد اعتقلت عائلته تحت نظام صدام" [15]. يقول الزيدي عن نفسه: "أنا عراقي فخور ببلادي" ويقول أصدقاءه أنه رفض الاحتلال تماما كما رفض اشتباكات المدنيين، وقالوا أنه اعتبر الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة "تشريع للاحتلال" [16]

كان أول ظهور للزيدي على الساحة العالمية كان حين تم اختطافه من قبل جماعة مجهولة. كما اعتقلته القوات الأمريكية مرتين [17][18].
اختطاف الزيدي

تعرض الزيدي للاختطاف أثناء توجهه لمقر عمله في 16 نوفمبر عام 2007. وقال مصدر من جماعة مرصد الحرية الصحفية أن عائلة الزيدي اتصلت به مساء الجمعة، إلا أن شخصا آخر رد على هاتفه المحمول وقال أن جماعته اختطفت الزيدي. وخلال عملية اختطافه خصصت قناة البغدادية التي يعمل بها برنامجا من ساعتين له في 18 نوفمبر من نفس العام [12][19].

قال الزيدي أن الخاطفين أجبروه على الدخول إلى سيارة وضربوه حتى أفقدوه الوعي ثم استخدموا ربطة عنقه في تعصيبه ورابط أحذيته لتقييد يديه. وأثناء احتجازه استجوبوه حول عمله كصحفي وقدموا إليه القليل من الطعام والشراب [20] غير أن الخاطفين أفرجوا عن الزيدي وأطلقوه في الشارع وهو معصوب العينين بعد ثلاثة أيام من اختطافه دون مقابل مادي أو فدية وفقاً لموقع البي بي سي. وعاد الزيدي لأسرته في 19 نوفمبر بعد مروره بالمستشفى لإجراء فحص طبي له [12]. بعد اختطافه صرح الزيدي لرويترز "إطلاق سراحي معجزة، لا استطيع أن أصدق أني مازلت حياً" [20]. وصف محرر تلفزيون البغدادية الاختطاف بأنه عمل عصابات حيث قال أن تقارير منتظر "معتدلة وغير متحيزة" [21].

وقد رحبت جماعة مراسلين بلا حدود بإطلاق سراحه في بيان لها جاء فيه: «نرحّب بعودة هذا الصحافي سالماً معافى إلى أسرته بعد أن أثارت عملية اختطافه موجة من القلق في العراق التي شهدت تصفية عدة صحافيين في خلال اعتقالهم هذه السنوات الأخيرة». وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد أعربت عن قلقها الشديد في بيان لها حول اختطاف الزيدي [22]. كما ذكر مندوب الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين حادثة اختطاف الزيدي في تقرير ديسمبر 2007 الذي ضم حوادث العنف في أجهزة الإعلام وبشكل خاص حوادث اختطاف الصحفيين في بغداد [23].

في يناير 2008 اعتقلت القوات الأمريكية الزيدي ليلاً وفتشوا مسكنه، لكنهم أطلقوا سراحه واعتذروا له لاحقاً [2]
حادثة رمي الحذاء
لحظة تفادي بوش للحذاء

تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


في يوم الأحد الرابع عشر من ديسمبر عام 2008، زار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش العاصمة العراقية بغداد للمرة الأخيرة قبل انتهاء ولايته بغرض الاحتفال بإقرار الاتفاقية الأمنية. وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مساء الأحد ونوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، فوجئ الحضور بالصحفي منتظر الزيدي يقذف زوجي حذاءه على بوش، وبالتزامن مع إلقاء فردة حذاءه الأولى قال الزيدي لبوش: «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب الغبي» وقال وهو يرمي الفردة الأخرى: «وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق» بحسب موقع بي بي سي، بعدها اعتقله رجال الأمن العراقيين والأمريكيين وطرحوه أرضا ثم سحبوه إلى خارج القاعة مخلفا وراءه خيط من الدماء يسيل منه على الأرض [24]

وفيما كان يُسمع صوت صراخ الزيدي من غرفة مجاورة، علق الرئيس بوش -الذي تفادى الحذائين وأصاب أحدهما العلم الأمريكي خلفه- على الحادثة قائلا: «كل ما أستطيع قوله إنهما (الحذاءان) كانا مقاس عشرة» كما أضاف: «هذا يشبه الذهاب إلى تجمع سياسي فتجد الناس يصرخون فيك، إنها وسيلة يقوم بها الناس للفت الانتباه.. لا أعرف مشكلة الرجل، لكني لم أشعر ولو قليلا بتهديد» [25][26].

بعد الحادثة صرحت أسرة الزيدي أنها تلقت العديد من مكالمات التهديد [27]. وقد ذكر ضرغام الزيدي شقيق منتظر لوكالة فرانس برس مساء الثلاثاء 16 ديسمبر 2008 أن أحد العاملين في المنطقة الخضراء أكد له أن "منتظر نقل إلى مستشفى ابن سينا في المنطقة الخضراء لتلقي العلاج إثر إصابته بكسر في ذراعه وأحد أضلاعه وإصابات في مناطق متفرقة من جسده".
استجواب الزيدي بعد الحادث

أفاد مصدر حكومي عراقي أن الزيدي قيد التحقيق معه ويتولى استجوابه حرس رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وأضاف المسؤول في تصريح لوكالة أسوشيتد برس أنه يتم إجراء اختبارات لمعرفة ما إذا كان الزيدي يتعاطي الكحول أو المخدرات، وقال إن التحقيقات تركز على ما إذا كان الزيدي قد تلقى أموالاً ليقوم بإلقاء حذائه على بوش خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المالكي الأحد في بغداد [26].

وكان المالكي قد حاول التصدي لحذاء منتظر لكي لا يصيب الرئيس بوش، وقد أشاد ببوش بعد الحادثة وبمواقفه التي اعتبرها داعمة للشعب العراقي [25].

من جهته قال خليل الدليمي المحامي، الذي دافع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إن 100 محام عراقي تطوعوا للدفاع عن المراسل المذكور [28].

ترددت أخبار حول رسالة تركها الزيدي لزملائه قبل ذهابه للمؤتمر الصحفي قال فيها أنه خطط لعمل مشرف يواجه به بوش ويدخله التاريخ [29]. وقد أكد أحد العاملين في قناة "البغدادية" الفضائية الإثنين أن زميله الصحافي منتظر الزيدي "وطني متشدد" كان يخطط منذ أشهر لفعلته التي أدانتها الحكومة العراقية [30].
ردود أفعال وسائل الإعلام العربية والعالمية
رسم بالحبر بعنوان "المؤتمر الصحفي لبوش والمالكي. بغداد، ديسمبر 2008" 2009، بأبعاد 42 x 26 إنش

تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


بيان قناة البغدادية عقب الحادث

طالبت قناة البغدادية الإفراج عن مراسلها منتظر الزيدي الذي وبحسب موقع روسيا اليوم نقل إلى مكان مجهول إثر الحادث [28].

وقد أصدرت القناة -والتي يرأسها رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك وتبث برامجها من القاهرة- بيانا عقب الحادث وكان نصه كالتالي:

منتظر الزيدي بسم الله الرحمن الرحيم

تطالب قناة البغدادية السلطات العراقية بالإفراج الفوري عن منتسبها منتظر الزيدي تماشيًا مع الديمقراطية وحرية التعبير التي وعد العهد الجديد والسلطات الأمريكية العراقيين بها وأن أي إجراء يُتّخذ ضد منتظر إنما يذكّر بالتصرفات التي شهدها العصر الديكتاتوري وما اعتراه من أعمال عنف واعتقال عشوائي ومقابر جماعية ومصادرة للحريات العامة والخاصة كما نطالب المؤسسات الصحفية والإعلامية العالمية والعربية والعراقية بالتضامن مع منتظر الزيدي للإفراج عنه.

مجلس إدارة قناة البغدادية

في الرابع عشر من كانون اول عام 2008


منتظر الزيدي
وسائل الإعلام العربية

بشكل عام أعلن معظم الصحفيين العرب تأييدهم للزيدي بما فعله، مطالبين بسرعة الإفراج عنه بعد الاعتداء عليه بشكل وحشي أثناء اعتقاله.

وقال صحفيو جريدة "الأسبوع" المصرية التي يرأس تحريرها الصحفي والنائب المستقل مصطفى بكري في بيان تلقى موقع الجزيرة نت نسخة منه، إن "الزيدي استخدم حقه المشروع في التعبير عن رأيه ومقاومة المحتل لبلاده، لذا يجب ألا يكون هذا مبرراً للعصف بحقوقه القانونية أو تجاوز أحكام المعاملة الإنسانية، وهو ما يستوجب إطلاق سراحه فوراً" [31].

وكانت نقابة الصحفيين المصرية قد أكدت تضامنها الكامل مع الزيدي المحتجز لدى السلطات العراقية مطالبة بالحفاظ على سلامته وإطلاق سراحه وتأمين محاكمة عادلة له. وقالت النقابة -في بيان لها اليوم الإثنين- إن الاحتلال الأمريكي للعراق وممارسته البشعة ضد المواطنين العراقيين كانت وراء الحالة النفسية التي دفعت الصحفى الزيدى للقيام بهذا الفعل [32].
وسائل الإعلام العالمية

وقد استفاضت وسائل الإعلام الغربية في تفسير معاني رمي الحذاء على شخص في الثقافة العربية وكذلك الجلوس متقاطع الأقدام أمام شخص آخر، مشيرةً إلى أن هذا الأمر يعد إهانة عند العرب، رغم أن إلقاء الحذاء في وجه آخر تعد إهانة عند جميع الشعوب، وتطرقت إلى ما فعله العراقيون عقب سقوط بغداد عام 2003 وقيام عشرات العراقيين بضرب رأس تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالأحذية. غير أن بوش تقبلها بصدر رحب، وخصوصاً أنها جاءت في أعقاب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن. ووصفت تقارير صحفية الحادثة بأن نهاية تدخّل بوش في العراق كانت كبدايتها، وأنها تميزت بالفوضى والغضب، في إشارة إلى إلقاء الصحفي الحذاء على بوش. فيما نقلت أن الصحفي تابع توجيه الإهانات اللفظية، وأنه نعت بوش، الذي قام برابع زيارة وآخرها للعراق، بـ"الكلب" [33].
ردود أفعال الرأي العام العربي والعالمي

اتحاد المحامين العرب: وقد حمل اتحاد المحامين العرب الحكومة العراقية والولايات المتحدة مسؤولية الحفاظ على حياة منتظر الزيدي، وأعلن نقيب المحامين المصريين ورئيس اتحاد المحامين العرب سامح عاشور تشكيل لجنة من نقابات المحامين العربية ومحامين أجانب للدفاع عن الصحفي الزيدي, مطالبا بتدخل الجامعة العربية لضمان سلامته. كما قال إن "العالم بأكمله شهد اعتقال الرجل وسمع صراخه عندما كان حراس الرئيس الأميركي يضربونه، وعلى بغداد أن تضمن حياة مواطنها وأن تضمن له محاكمة شفافة وعلنية إذا ما تقررت محاكمته" [31].
موقع الفيس بوك: وفي الموقع الإلكتروني الشهير فيس بوك، تم إنشاء نحو ثلاثمائة مجموعة للتضامن مع منتظر الزيدي انضم إليها قرابة نصف مليون عضو في أقل من 24 ساعة. ووفقاً لموقع الجزيرة نت فأغلب منشئي هذة المجموعات من المصريين، وقد نال حذاء الزيدي القدر الأكبر من الاهتمام وأصبح مادة للتعليق والسخرية من الرئيس الأمريكي، حيث اقترح البعض عرضه في مزاد علني على شبكة الإنترنت تقديرا للزيدي [31].
مظاهرات في العراق: في العراق قامت مظاهرات حاشدة لدعم وتأييد الزيدي والمطالبة بالإفراج عنه، ونقلت مصادر إعلامية أن المظاهرة انطلقت من مدينة الصدر باتجاه ساحة الفردوس ببغداد للمطالبة بإطلاق سراح منتظر الزيدي فورا، وقد حمل المتظاهرين لافتات مؤيدة للزيدي وتطالب بالإفراج الفوري عنه [33].
تكريم من ابنة معمر القذافي: كما قررت جمعية واعتصموا الخيرية التي ترأسها عائشة القذافي ابنة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي منح وسام الشجاعة لمنتظر الزيدي، وقالت الجمعية في بيان لها "إن الصحافي منتظر الزيدي قال من خلال ذلك صراحة: لا لانتهاك حقوق الإنسان وعبر عن موقفه بقذف حذائه على وجه الرئيس الإمريكي جورج بوش" [30]. وقالت الجمعية التي ترأسها عائشة القذافي في بيان أن الجمعية قررت منح منتظر الزيدي وسام الشجاعة لأن ما فعله يمثل انتصاراً لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم [34].
اختياره كشحصية العام 2008: اختارته شبكة سي إن إن لإخبارية الأمريكية كشخصية للعام 2008 في استطلاع أجرته لقراء موقعها على الإنترنت. وعلق موقع سي إن إن على اختياره: « أنه في زمن غابت عنه الزعامات الكارزمية، أصبح منتظر الزيدي، مراسل قناة «البغدادية» العراقية، شخصية العام ٢٠٠٨، باختيار قراء «سي ان ان» بالعربية، متفوقاً على شخصيات أخرى برزت خلال العام نفسه، منها الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما» حيث حصل الزيدي على 57% من أصوات القراء فيما حصل الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما على ٢٧% بينما كان نصيب العاهل السعودي 16% من الأصوات [35].
في فيلم بوبوس للممثل عادل إمام تم اظهار اللطقة بشكل يتوافق مع كلام الممثل عادل امام بكلمة (... ضربة معلم ...)

حذاء الزيدي
متظاهرة أوربية تحمل يافطة معلق عليها حذاء مكنوب عليها لبوش وإسرائيل

تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


حظي الزيدي بتأييد كبير من الرأي العام العربي. كما حصل حذاءه على قدر كبير من الاهتمام حيث اعتبره الكثيرون رمزا للكرامة فيما اعتبر الزيدي في الرأي العام العربي بطلا. عرض أحد المواطنين السعودين مبلغ 10 مليون دولار لشراء حذاء الزيدي إشارة لتأييده لقذف الحذاء بوجه الرئيس بوش [36]، كما عرض المدير الفني السابق للمنتخب العراقي عدنان حمد مبلغ 100 ألف دولار لشراء الحذاء [37]. كما ظهرت مجموعة ألعاب على شبكة الانترنت تظهر الحذاء وهو يرمى به على الرئيس بوش [38].

في كثير من دول العالم أصبح قذف الأحذية وسيلة للاحتجاج على السياسة الأمريكية حول العالم منذ حادثة رمي الحذاء, حيث قام المتظاهرون بقذف أحذيتهم على مباني السفارات الأمريكية حول العالم كوسيلة للاحتجاج على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وفي مدينة تكريت العراقية تم وضع رمز كبير في يوم 27 يناير 2009، وهو عبارة عن نصب عملاق لحذاء تكريماً للصحافي العراقي منتظر [39]، ويبلغ ارتفاع النصب مترين، وملئ بشجيرات بلاستيكية، وهو مصنوع من معدن البرونز. وقام بنحته النحات العراقي ليث العامري وذلك بمساعدة ملجأ للأيتام بمدينة تكريت مستخدماً مادة الألياف الزجاجية (الفايبرغلاس) المغلف بالنحاس والذي تم رفعه فوق منصة إسمنتية. وتم كتابة بيتين من الشعر على هذا النصب عند قاعدتهِ:

صياماً يا منتظر حتى يفطر السيف بالدم
وصمتاً حتى يصدح الحق يا فمي

أزالت السلطات الأمنية في محافظة صلاح الدين النصب التذكاري بأمر من نوري المالكي، وتوجهت شرطة مدينة تكريت إلى المكان الذي شيّد فيه النصب للتأكد من إزالته [40][41].
محاكمة الزيدي

أدانت الحكومة العراقية بشدة ما فعله الزيدي واعتبرته خروجاً عن القانون ووصفته بالعمل الهمجي والمشين. وحسب موقع رويترز العربية قال ياسين مجيد المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية أن الحكومة قررت إحالة الزيدي إلى القضاء العراقي وسيحاسب وفق القوانين العراقية [29].

ووفقاً لموقع العربية.نت فإن مصدر من قناة البغدادية أكد أن القناة لم يكن لها علم للإحالة القضائية رغم أنها تبرعت بأربعة محامين للدفاع عن مراسلها من قبل علمها. وأشار المصدر إلى أن والدة منتظر دخلت المستشفى بعد تدهور وضعها الصحي اليوم، كاشفًا عن أن عملية الاعتقال شملت أربعة آخرين من قناة البغدادية حضروا المؤتمر الصحفي، وهم مصوران ومراسلان غير الزيدي، وأحد المصورين هو نجل الفنان الكوميدي العراقي جاسم شرف". وأوضح "لقد تعرضوا جميعًا للضرب الشديد، وتمت تعريتهم، وتدخلت السفارة الأمريكية لإطلاقهم باستثناء منتظر الذي بقي معتقلا فيما أطلق الآخرون" [29].

وصرّح مؤيد اللامي، نقيب الصحفيين العراقيين، أنه علم من مصادر رسمية رفيعة بإحالة الصحفي منتظر الزيدي للقضاء العراقي دون التمكن من معرفة طبيعة التهم الموجهة ضده. وأضاف متحدثًا عن موقف النقابة مما جرى "نسعى للحفاظ على حياته وكرامته، ونحن نعمل لحريته وفق قانون العفو العام، ومنتظر لم يسجل في ماضيه أنه أساء لأحد"، وتابع "ما حصل يعبر عن احتقان شخصي رغم أنه ليس من أدوات العمل الصحفي، وطلبت زيارته وأنتظر الجواب" [29].

في صباح الأربعاء 17 ديسمبر 2008 مثل الزيدي أمام القضاء لتدوين إفادته. ويواجه اتهاما بإهانة رئيس دولة أجنبية في زيارة رسمية للعراق، وتصل عقوبة هذة التهمة إلى السجن من سبع إلى خمسة عشر سنة. وقد أكد طارق حرب الخبير القضائي العراقي أن الزيدي بعث برسالة اعتذار لرئيس الوزراء العراقي بما حدث، وأضاف حرب أنه علم أن هذه الرسالة لقيت ترحيبا من قبل الحكومة ومجلس الوزراء.

وقد حولت السلطات العراقية قضية الزيدي إلى المحكمة الجنائية المركزية في البلاد، والتي يناط بها التعامل مع قضايا الامن والارهاب. وقد صرح ضرغام الزيدي بأنه لم يتم إحضار منتظر للمحاكمة، ولكن قاضي التحقيق أخبره أن منتظر متعاون بشكل جيد [42][43].

وقد صرح ضرغام الزيدي شقيقه لفرانس برس وعدي الزيدي للجزيرة أن منتظر اتصل الثلاثاء بالعائلة، وأبلغهم أنه سيمثل للمحاكمة يوم الأربعاء الساعة السابعة صباحا وطلب منهم إحضار محامين للدفاع عنه. ووفقا لعدي فقد وجد أكثر من 150 محاميا عراقيا ينتظرون أمام المحكمة للدفاع عن منتظر، وظلوا ينتظرونه حتى الساعة العاشرة دون أن يصل، وعند سؤالهم بعض موظفي المحكمة علموا أن منتظر اقتيد إلى مكان مجهول ليحاكمه هناك قاض مجهول. ووصف عدي محاكمة الزيدي بالخدعة وقال أن الهدف منها تهدئة الرأي العام. كما طالب عدي أن يحاكم الزيدي وفقا للمادة بناء على المادة 227 المتعلقة بإهانة رئيس الوزراء والتي تصل عقوبتها إلى سنتين فقط [44].

وتقرر محاكمة الزيدي وفقا للمادة من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ بعد أن رفضت المحكمة طلبا تقدم به فريق الدفاع لتغيير المادة.

ويمثل الزيدي أمام محكمة عراقية في 19 فبراير 2009، حيث صرح متحدث قضائي عراقي أنه ستوجه للصحفي تهمة "الاعتداء على رئيس دولة أجنبية أثناء قيامه بزيارة رسمية إلى الجمهورية العراقية"، وهي تهمة قد تصل فترة عقوبتها إلى السجن لمدة 15 عاماً.[45]
مشاريع شقيقة
ويكي الأخبار بها أخبار متعلقة: الحكم على منتظر الزيدي بثلاث سنوات حبسا
حكم

في 11 مارس 2009 حكمت محكمة عراقية على الصحفي العراقي منتظر الزيدي، بالسجن ثلاث سنوات قابلة للتمييز، فيما أعلن رئيس فريق الدفاع عن الصحفي والذي يضم 25 محاميا جميعهم متطوعون، أن الحكم "يخالف القوانين العراقية" وانه سيطعن فيه امام محكمة التمييز. وفي يوم 7 أبريل 2009 تم تخفيف الحكم على الصحفي العراقي منتظر الزيدي من ثلاث أعوام إلى عام واحد.[46]

وردت أخبار حول الإفراج عن منتظر الزيدي في شهر سبتمبر 2009 قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة عقوبته نقلتها وكالة أسوشيتدبرس عن كريم الشجيري محامي الزيدي وقال أنه أُبلغ القرار رسميا من المحكمة.[47]
إطلاق سراحه

بعد أن قضى منتظر الزيدي ثلاث أرباع المدة، أحق له القانون العراقي بالخروج من السجن على شريطة حسن السير والسلوك، وقد أطلق سراحه في تاريخ 15 سبتمبر 2009. وبعد إطلاق سراحه، قال مُنتظر الزيدي أنّه تعرّض للتعذيب [48]، وطالب رئيس الوزراء "المالكي" باعتذار، بعد أن اتهمه بحجب الحقيقة.[49] وانتقل للإقامة في سويسرا للعلاج من التعذيب، وقام بإنشاء مؤسسة الزيدي لرعاية ضحايا الاحتلال الأمريكي في العراق. وقد رفض لجوءاً سياسياً قدمه له البرلمان السويسري وعاد إلى بيروت وتزوج من صحافية في لبنان.
لتحية الأخيرة للرئيس بوش

مع نهاية سنة 2010 وقّع الزيدي كتابه التحية الأخيرة للرئيس بوش الذي يتناول فيه أحداث احتلال العراق عام 2003، وحادثة رشق الحذاء من حيث الدوافع وما تلاها من أحداث.
موقفه من الثورة السورية

اصطف منتظر الزيدي خلف نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مجابهة الثوار السوريين المطالبين بإسقاطه وصرح أثناء حشد جماهيري في مدينة جبلة السورية أنه يدعم إصلاحات بشار الأسد وأن سوريا تعد آخر القلاع العربية وسقوطها يعني سقوط الأمة العربية وأنه يناصرها في مواجهة الحرب الكونية والمؤامرة العالمية المحيقة بها وأن ما يجري في البلد ما هو إلا توطئة لسايكس بيكو جديد يراد منه تغيير الخارطة السياسية وإلغاء بعض الدول والإمارات العربية. كما غمز من قناة اللاجئين السوريين في تركيا واتهمهم ببيع سوريا بحفنة من الدولارات[51].

وازن الزيدي في قضية سوريا رغم مساندته لقضايا المتظاهرين في مصر وتونس واليمن وليبيا، وطالب الطرفان احترام حقوق الإنسان وعدم قتل الابرياء واللجوء إلى الحوار، وأكد في لقاء معه في سوريا أنه في حالة عدم تنفيذ الإصلاحات فسيتظاهر ضد الحكومة السورية.
...............
 تصغير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


[Pin It]
دبي - حيان نيوف

قال الصحفي العراقي منتظر الزيدي، صاحب رمية الحذاء الشهير على الرئيس الأمريكي جورج بوش، إنه خطط لعمل مشرف يواجه به بوش ويدخله التاريخ، وذلك في رسالة تركها لأصدقائه قبل ذهابه للمؤتمر الصحفي، كما أكد مصدر عراقي مطلع لـ"العربية.نت".

وفي تطورات قضية الزيدي، قال نقيب الصحفيين العراقيين لـ"العربية.نت" إنه علم من مصادر رفيعة بإحالة الصحفي منتظر الزيدي من قناة "البغدادية" إلى القضاء دون توضيح طبيعة التهم الموجهة إليه، فيما ذكر مصدر عراقي مطلع أن الزيدي تعرض للضرب الشديد وتم خلع ملابسه مع 4 من زملائه من القناة أطلق سراحهم لاحقا بعد تدخل السفارة الأمريكية من أجلهم.
رسالة الزيدي

وكشف مصدر عراقي مطلع لـ"العربية.نت" أن منتظر الزيدي معتقل لدى الأمن التابع لرئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن موضوع الإحالة للقضاء لا تعلم به قناة البغدادية والتي رغم ذلك تبرعت بأربعة محامين أجانب واثنين من العرب للدفاع عن الزيدي، كما تبرع وجهاء عشائر بمحامين للدفاع عنه.

وقال المصدر "إن الزيدي لم يكن مكلفًا بالذهاب إلى المؤتمر الصحفي، إلا أنه قرر اللحاق بأربعة من زملائه، وكان قد ترك قبل أيام رسالة لأصدقائه محتواها أنه سيقوم بعمل يذكره التاريخ عليه بين أصدقائه وفي الوطن العربي، وأنه سيقوم بعمل مشرف للعراقيين عند دخول بوش للعراق بأية لحظة".

وأشار المصدر إلى أن والدة منتظر دخلت المستشفى بعد تدهور وضعها الصحي اليوم، كاشفًا عن أن عملية الاعتقال شملت أربعة أخرين من قناة البغدادية حضروا المؤتمر الصحفي، وهم مصوران ومراسلان غير الزيدي، وأحد المصورين هو نجل الفنان الكوميدي العراقي جاسم شرف".

وأوضح "لقد تعرضوا جميعًا للضرب الشديد، وتمت تعريتهم، وتدخلت السفارة الأمريكية لإطلاقهم باستثناء منتظر الذي بقي معتقلا فيما أطلق الأخرون".

وأكد المصدر أن الزيدي "شيوعي لا علاقة له بالتيار الصدري، إلا أن تغطيته الصحفية لمعارك جيش المهدي مع الاحتلال في مدينة الصدر جعلت الناس تعتقد أنه من المحسوبين على التيار الصدري".
إحالته للقضاء

وصرّح مؤيد اللامي، نقيب الصحفيين العراقيين، لـ"العربية.نت" أنه علم من مصادر رسمية رفيعة بإحالة الصحفي منتظر الزيدي للقضاء العراقي دون التمكن من معرفة طبيعة التهم الموجهة ضده.

وأضاف متحدثًا عن موقف النقابة مما جرى "نسعى للحفاظ على حياته وكرامته، ونحن نعمل لحريته وفق قانون العفو العام، ومنتظر لم يسجل في ماضيه أنه أساء لأحد"، وتابع "ما حصل يعبر عن احتقان شخصي رغم أنه ليس من أدوات العمل الصحفي، وطلبت زيارته وأنتظر الجواب".
تاريخ الضرب بالحذاء

وفي سياق ردود الفعل الصحفية على حادثة إلقاء الحذاء على جورج بوش من قبل صحفي ترك أدواته الصحفية ولجأ للحذاء، تنوعت هذه الردود بين مؤيد ومعارض لها رغم التأكيد على وجود تقليد لدى العراقيين باللجوء للحذاء في مناسبات عديدة.

وفي إطار حديثه عن "تقليد" الضرب بالحذاء في العراق، قال الصحفي العراقي نجاح محمد علي لـ"العربية.نت" إنه في عام 1999 بعد قتل آية الله العظمة محمد صادق الصدر أبو مقتدى تعرض السيد محمد باقر الحكيم إلى اعتداء بالأحذية في مسجد في قم، عندما كان حاضرًا في مجلس فاتحة لتأبين السيد الصدر، وقيل آنذاك أن رجال المخابرات العراقية وراء هذا الموقف لتحريض أنصار الصدر، وقيل أيضا إنهم أنصار الصدر، وحينها عفا الحكيم عنهم وسامحهم، لذلك على الحكومة العراقية العفو عن الزيدي".

وتابع "كذلك هناك شخصية أبو تحسين الشهيرة الذي أخذ بضرب صورة صدام حسين عند سقوط النظام وهو تعبير انفعالي، كما أن النظام سبق له أن قام برسم صورة لبوش الأب في مدخل فندق الرشيد من أجل الدوس عليها".

وأشار أيضا "إلى رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي تعرض للضرب بالأحذية من قبل التيار الصدري".

وقال نجاح علي "الزيدي فعل ذلك من كونه مواطنًا وليس صحفيًّا؛ حيث استفز من قبل بوش الذي كان يتحدث عن انتصار وهمي، خاصة أن هذا الصحفي من منطقة مهمشة هي مدينة الصدر المدينة الأكثر بؤسًا في العراق.. وأنا كصحفي أرفض هذا الأسلوب لكن أطالب بالإفراج عنه والتعامل معه بروح إيجابية وإدانة الاعتداء الذي حصل عليه".

وبدوره قال فايز الصايغ، رئيس التحرير السابق لصحيفة "الثورة" الحكومية في سوريا، لـ"العربية.نت" إنه "لكل موقف ظروفه الخاصة، وما كان في صدر هذا الصحفي لا يعرفه إلا هو، وفي لحظة تتآلت تداعياته النفسية وهو يرى رئيس الدولة التي احتلت أرضه وشردت شعبه في آخر زيارة وداع، فيبدو أنه لم يجد وسيلة للتعبير عن سخطه وسخط أبناء بلده إلا هذه الطريقة، وتسجل هذه الواقعة له بصرف النظر عن الأسلوب".

وأضاف "ما دام الرئيس الأمريكي قال بأن هذه الطريقة ديمقراطية بزمن ديمقراطيته التي يريدها هو؛ لذا عليهم أن يتعاملوا مع الرجل بديمقراطية ولكن هذا لم يحصل تم دوسه بأحذيتهم كما شاهدنا".

وتابع "كصحفيين نتضامن معه ونطالب بالإفاراج عنه ومحاكمته طليقا.. والرأي عام برر له هذا الأسلوب بسبب احتلال بلده".

وأما أمين قمورية، من صحيفة "النهار" اللبنانية، فقال لـ"العربية.نت" "إن الصحفي العراقي تصرف كإنسان يعاني من الاحتلال، وفي ظل هذه الظروف لم تعد الكلمة تنفع، خاصة أن سبق وتم سجنه، فلا بد من طريقة ما يعبر عما يجري".

وقال "لا أؤيد مثل هذه الطرق، ولكن بالعراق وفلسطين لا يوجد منطق وبالتالي أي سلوك سوف يصبح سلوكًا طبيعيًّا.. ولكن في نفس الوقت لا ألومه وأتمنى لو كنت مكانه، فالاستبداد بكل أنواع في المنطقة يجعل رد الصحفيين غير طبيعي بسبب غياب المنطق".
...............

Tweet
[Pin It]
بغداد - وكالات

أكد أحد العاملين في قناة "البغدادية" الفضائية الإثنين أن زميله الصحافي منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأمريكي جورج بوش بحذائه "وطني متشدد"، كان يخطط منذ أشهر لفعلته التي أدانتها الحكومة العراقية.

وقال جهاد الربيعي إن "الأمر متوقع من منتظر؛ إذ إنه وطني متشدد جدًّا فيما يتعلق بالعراق".

وأضاف أن "التصرف الذي بدر من منتظر هو تصرف شخصي يعبر عن نفسه فقط وليس عن توجه القناة".

وشدد على أن "القناة التي لديها مقر في مصر، مستقلة ولا ترتبط بأي حزب سياسي".

ومنتظر الزيدي هو من مواليد مدينة الصدر ومقرب من التيار الصدري بحسب ما ذكره صحفيون أصدقاء له.

وقال مصدر في القناة إن "منتظر كان يعمل لقناة (الديار) المحلية سابقا وقبلها في عدد من الصحف المحلية وهو شيوعي يساري في ميوله السياسية ومناهض للأمريكيين والقوات الأمريكية ومتشدد في معارضته للرئيس الأمريكي بوش".

وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه "أن منتظر توعد قبل حوالى سبعة أشهر أمام عدد من الصحافيين بأن يلقي حذاءه على رأس بوش إذا سنحت له الفرصة بحضور مؤتمر للرئيس بوش إلا أن الآخرين اعتبروه مجرد كلام ليس أكثر".

وطالبت قناة "البغدادية" التي تبث برامجها من مصر السلطات العراقية بإطلاق سراح مراسلها الذي رشق الرئيس الأمريكي جورج بوش بحذائه مساء الأحد.

وأوضح البيان الذي بثته القناة أن "مجلس إدارة قناة البغدادية يطالب السلطات العراقية بالإفراج الفوري عن منتسبها منتظر الزيدي تماشيا مع الديمقراطية وحرية التعبير التي وعد العهد الجديد والسلطات الأمريكية العراقيين بها".

وأضاف البيان أن "أي إجراء يتخذ ضد منتظر إنما يذكر بالتصرفات التي شهدها العصر الدكتاتوري وما اعتراه من أعمال عنف واعتقال عشوائي ومقابر جماعية ومصادرة للحريات الخاصة والعامة".

وخرج أتباع التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر في تظاهرات في بغداد والبصرة والنجف الإثنين تطالب بالإفراج عن الزيدي.

ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها بالعربية والإنكليزية "اخرج يا بوش، نطالب بإطلاق سراح منتظر الزيدي الذي عمل بمبدأ الديمقراطية"، و"نطالب الحكومة العراقية بالحفاظ على حياة الزيدي الذي عبر عن إرادة العراق بموقفه العظيم أمام كبير الشر بوش".

وقال حازم الأعرجي القيادي البارز في التيار الصدري الذي شارك بالتظاهرة في النجف (260 كلم جنوب بغداد) "نتظاهر اليوم لنعلن عن رفضنا واستنكارنا لزيارة كبير الشر بوش إلى العراق وسوف تنطلق التظاهرات في كافة المدن العراقية احتجاجا على زيارة بوش وللمطالبة بإطلاق سراح الصحفي منتظر الزيدي"، وأضاف "سوف يشكل مكتب الصدر لجنة قانونية لمتابعة قضيته".

وفي عمان، أعلن خليل الدليمي الرئيس السابق لهيئة الدفاع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الإثنين أن نحو 200 محام عربي وأجنبي أبدوا استعدادهم للدفاع عن الصحافي العراقي.

في المقابل، أصدر المركز الوطني للإعلام التابع لأمانة مجلس الوزراء العراقية بيانًا أدان فيه "اعتداء الصحافي على بوش".

وأفاد البيان أن "منتسب إحدى الفضائيات قام بتصرف همجي مشين لا يمت إلى الصحافة بصلة أثناء المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء نوري كامل المالكي والرئيس الأمريكي جورج بوش؛ وذلك بأن حاول الاعتداء على الرئيس الضيف".

وأضاف "إننا في الوقت الذي ندين فيه هذا العمل المشين نطالب الجهة التي ينتمي إليها هذا الشخص بتقديم اعتذار معلن عن هذا العمل الذي أساء إلى سمعة الصحافيين العراقيين والصحافة بشكل عام قبل أن يسيء إلى المؤسسة التي يعمل لصالحها، والذي كان موضع إدانة من زملائه الحاضرين".

ودعا البيان "جميع المؤسسات الإعلامية المحترمة إلى التدقيق في شخصيات مَن يمثلها كي لا يسيئوا استخدام التسهيلات التي يتمتع بها رجال الإعلام".

وغطى منتظر الزيدي أحداثا محلية كمعارك مدينة الصدر، ويعمل أحيانا على تغطية أخبار سياسية.

وقام الزيدي (29 عاما) برشق حذائه باتجاه الرئيس الأمريكي جورج بوش دون أن يصيبه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بينما كانا في مقر الأخير مساء الأحد، ثم شتم الرئيس الأمريكي.

وبعد المصافحة بين الرجلين في آخر لقاء بينهما، قام الزيدي الذي كان واقفا بين المراسلين برشق حذائه باتجاه بوش قائلا "هذه قبلة الوداع يا كلب"، وحاول المالكي حجب بوش لكن الحذاء لم يبلغ أيا منهما.

وسارع عناصر الأمن الأمريكيين والعراقيين إلى سحب الصحافي الذي كان يصرخ بأعلى صوته.

وابتسم بوش قائلا "لقد قام بذلك من أجل لفت الانتباه إليه هذا الأمر لم يقلقني ولم يزعجني، أعتقد أن هذا الشخص أراد أن يقوم بعمل يسألني الصحافيون عنه، لم أشعر بأي تهديد".

وتعرض الزيدي للخطف في تشرين الثاني/نوفمبر 2007 لمدة أسبوع، يشار إلى أن قناة "البغدادية" تبث من مصر بتمويل من رجال أعمال وإعلاميين سابقين يعارضون الوجود الأمريكي في العراق.

تصغير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

 ..................

 احتفل الوسط الإعلامي في لبنان مؤخراً بعقد قران مراسل قناة "البغدادية"، الصحفي العراقي، بطل واقعة"حذاء بوش" منتظر الزيدي على زميلته اللبنانية مريم ياغي. وقد شاهد عدد كبير من المهتمين بمنتظر الزيدي، سواء من الأغلبية المؤيدة لتصرفه والأقلية المعارضة ، تسجيل فيديو يظهر فيه الشاب العراقي وعروسه، التي كانت تلبس فيما وصف بفستان عرس أنيق ومحتشم، توجته بحجاب إسلامي على الطريقة التركية، طويل لامس الأرض، عوضاً عن الطرحة التقليدية.

احتفل الوسط الإعلامي في لبنان مؤخراً بعقد قران مراسل قناة "البغدادية"، الصحفي العراقي، بطل واقعة"حذاء بوش" منتظر الزيدي على زميلته اللبنانية مريم ياغي. وقد شاهد عدد كبير من المهتمين بمنتظر الزيدي، سواء من الأغلبية المؤيدة لتصرفه والأقلية المعارضة ، تسجيل فيديو يظهر فيه الشاب العراقي وعروسه، التي كانت تلبس فيما وصف بفستان عرس أنيق ومحتشم، توجته بحجاب إسلامي على الطريقة التركية، طويل لامس الأرض، عوضاً عن الطرحة التقليدية.

وقد حقق الزيدي شهرة واسعة في العالم العربي، انتقلت سريعاً لتتحول الى شهرة عالمية، بعد ان شارك في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في بغداد في عام 2008، والقى في اثناء المؤتمر بفردتي حذاءه باتجاه الرئيس بوش ، دون ان يصيب هدفه ، اذ استقرت الفردة الأولى في العلم الأمريكي بعد ان أخفض بوش برأسه بسرعة فائقة يحسده عليها الملاكمون فأفلت من المحاولة الأولى، كما يقول لاعبو التنس، فيما سمحت الفرصة للمالكي بأن يتدرب كحارس مرمى من خلال تصديه للحذاء الثاني. ومن مجريات الحدث كان من الواضح ان الأمر لم يهز مشاعر جورج بوش وتابع المؤتمر الصحفي وكأن شيئاً لم يكن. وتناول بوش هذا الموضوع لاحقاً بروح الدعابة اذ علق قائلاً ان ما لفت انتباهه ان الحذاء كان قياس 43.

يُذكر ان منتظر الزيدي تحول من صحفي غير معروف قبل هذه الواقعة الى ما يشبه "البطل القومي" ليس في العراق فحسب، بل وفي عموم العالم العربي ، اذ غدا "فارس الأحلام" للكثير من الفتيات وأولياء أمورهن الذين عرض الكثير منهم على الزيدي الاقتران ببناتهم، في رغبة للتعبير عن إعجابهم بضربه لبوش بالحذاء، وكأنه بفعله هذا تحدى رئيس الدولة العظمى و"مرغ رأس أمريكا في وحل العراق"، سيما وان رمي الحذاء بوجه الشخص يعني بالعرف العربي اهانة ما بعدها اهانة، معتبرين ان ما قام به يتعدى حدود عمل ذي دلالة رمزية.

ولم يقتصر الأمر على ذلك اذ عرض المواطن السعودي حسن محمد مخافة 10 ملايين دولار مقابل الحصول على حذاء الزيدي، علماً ان وسائل إعلام أفادت لاحقاً نقلاً عن الرجل انه حين عرض هذا المبلغ لم بيكن بحوزته حتى ثمن البنزين لسيارته، وانه بعرضه هذا انما أراد ان يعبر عن شعوره بالفرح وبالاعتزاز بـ "الحذاء الرمز"، مضيفاً انه في حال تسنت له الفرصة كان سيدعو الى حملة لدعمه أو لأن يستدين المبلغ.

ويقال ان منتظر الزيدي تعامل مع الشهرة الواسعة التي انهالت عليه بإيجابية لخدمة ابناء بلاده، اذ أسس قبل 3 سنوات في العاصمة اللبنانية مؤسسة خيرية تُعنى بجمع التبرعات بهدف مساعدة الأرامل والضحايا ورعاية الأيتام والأطفال المشوهين في العراق، وللتخفيف من حدة معاناة مواطنيه المتضررين بسبب الحرب الأمريكية في العراق.

ثمة تقليد قديم لا يزال يتذكره حتى شباب اليوم يقضي بقطع رأس القطة في ليلة الزفاف كي تعرف الزوجة لمن تعود الكلمة الفصلى في البيت .. لكن وكما يرى البعض يبدو ان منتظر الزيدي تحديداُ ليس بحاجة لقطع رأس أي قطة بعد ان أثبت للعالم أجمع انه لا يخشى رأس أقوى قوة عظمى في العالم..هكذا تقول العرب.

تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.