حبيب طانيوس الشرتوني (24 نيسان 1958) هو منفذ عملية الاغتيال بحق الرئيس اللبناني بشير الجميل.
حياته[عدل]
حبيب الشرتوني هو ماروني ولد في قرية صغيرة تسمى شرتون بالقرب من عاليه،جبل لبنان، تأثر بالحزب القومي السوري الاجتماعي. عندما بدأت الحرب الأهلية، تطوع للخدمة في أحد مواقع الحزب في عاليه. بعد أشهر قليلة، نصحه أهله بمغادرة لبنان إلى قبرص ثم إلى فرنسا حيث درس في جامعة في باريس ونال شهادة في العمل. قضى عاما في باريس بعيدا عن السياسة، حتى أواخر صيف 1977 خلال زيارته إلى لبنان حيث انضم رسميا للحزب القومي السوري الاجتماعي وأصبح عضوا فاعلا منذ ذلك الوقت. عند عودته إلى فرنسا، قام بالاتصالات اللازمة مع ممثلي الحزب في فرنسا وبدأ بحضور اجتماعاته السرية، حيث التقى نبيل علم، مسؤول الشؤون الداخلية في الحزب في ذلك الوقت. ترك علم انطباعا على الشرتوني، ما مهد الطريق لاغتيال بشير الجميل.
اغتيال الجميل[عدل]
بعد انهاء دراسته في باريس، عاد إلى لبنان وأصبح مقربا من نبيل علم، الذي عمل على اقناعه باغتيال بشير الجميل، حيث كان الشرتوني يقطن في الطابق الثالث في المبنى الذي يقع فيه المقر الرئيسي لحزب الكتائب. نصحه علم بوضع المتفجرات في غرب بيروت في الأشرفية في شرق المدينة فوق مقر الكتائب. بعد أن حصل على المتفجرات اللازمة، أخذ المفجر من علم وعمل على نقلها بأمان إلى بيت عمته في الأشرفية، على بعد بضعة أميال من المقر. الشرتوني أخيرا عزم على تنفيذ العملية. في ليلة 13 أيلول 1982، تسلل إلى الطابق الثاني من المبنى حيث مكتب الكتائب في الأشرفية. تصرفه لم يثر أي شكوك بما أنه يقطن في الطابق الثالث من المبنى نفسه مع أخته وجديه. دخل إلى غرفة في يمين مكان يجلس فيه بشير ورفاقه ووضع حوالي 40 أو 50 كلغ من المتفجرات. في اليوم التالي حام الشرتوني حول المكان حيث كان من المعزم أن يلقي بشير خطابا على رفاقه، حتى تأكد من وصول بشير. توجه خارج المبنى وركض إلى حي النصرا، حيث يوجد المفجر. عشر دقائق بعد بدء البشير القاء خطابه ضغط الشرتوني المفجر. سمع صوت الانفجار في كل بيروت. بعد الانفجار عاد للموقع لتفقد النتيجة.
الاعتقال والسجن[عدل]
بعد يومين اعتقلت القوات اللبنانية الشرتوني. اعترف الشرتوني ابن الرابعة والعشرين بدون تردد أو خوف أمام مؤتمر صحفي قبل تسليمه للسلطات اللبنانية من القوات اللبنانية، وصف الشرتوني بشير بالخائن واتهمه ببيع البلاد لإسرائيل. قال الشرتوني: "لقد أعطيت المتفجرات ومفجرا بعيد الأمد في رأس بيروت من قبل نبيل العلم"(رئيس مخابرات الحزب. العلم كان مقربا من المخابرات السورية وفر إلى سوريا بعد الاغتيال واختفى) وقال:"انا حبيب الشرتوني اقر وانا بكامل اهليتي القانونية باني نفذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميل وانا لست نادما على ذلك بل على العكس اذا اتى مرة أخرى فسوف اقتله وستصح مقولة لكل خائن حبيب وابشركم ان هناك الف الف حبيب لكل خائن عميل في بلادي". بعد تسليم الشرتوني للسلطات اللبنانية، خلف، أمين الجميل، أخيه الأكبر بشير مباشرة بعد الاغتيال. قضى الشرتوني 8 سنوات في سجن رومية بدون أي محاكمة رسمية، حتى 13 تشرين الأول 1990 عندما فر خلال الهجوم السوري الأخير من أجل إسقاط الحكومة التي ترأسها ميشال عون.
رأي في المحاكمة
عندما انتهت الحرب في لبنان عام 1990 بموجب اتفاق الطائف، صدر قانون عفو ليطوي صفحة هذه الحرب ويعفو عن جرائمها، لكن العفو طال جرائم غير سياسية لا علاقة للحرب بها واستثنى منه حبيب الشرتوني منفذ اغتيال بشير الجميّل لأكثر من سبب.
لم يكن هذا الاستثناء المقدّم بنصّ محدد في: محاولة إغتيال واغتيال القادة السياسيين والديبلوماسيين ورجال الدين. يقصد غير شخصه بحكم أن الذين اغتالوا أو حاولوا اغتيال هؤلاء وجِد لقضاياهم على مرّ الوقت مخارج وحلول قانونية، أعادت لهم حريتهم، ولم يبق مطلوباً للعدالة والمحاكمة غير الشرتوني وحده.
فنبيه بري كممثل وازن للطائفة الشيعية، كان يتحضّر لاستلام رئاسة مجلس النواب ويسعى لإرضاء النواب المسيحيين لهذه الغاية، كما يسعى لاكتساب أصوات الناخبين المسيحيين في الجنوب حيث دائرة انتخابه، ما دفعه لقبول الاستثناء وعدم الاعتراض عليه، لا بل قال إدمون نعيم لأحد المحامين وهو أحد القانونيين البارزين ممن تولوا مناصب عدّة في الدولة: إنهم تفاجؤوا بعد أن اتفقوا معه على نص القانون بصدور قانون ثانٍ في اليوم التالي.
لم يكن بالطبع رفيق الحريري معترضاً على أي قانون بغية إرضاء الأحزاب والميليشيات للتوسع في أعماله واستثماراته، لكن اعترض سمير جعجع على العفو عن اغتيال بشير في أحد إجتماعات الحكومة من موقعه كوزير دولة، لعدم تنازله عن حق القوات اللبنانية في هذه القضية.
أما وزير الدولة أسعد حردان فقد قبلَ بأي شيء حتى يدخل عالم السياسة والحكم دون منغصات وحتى يستثمر قضية الاغتيال سياسياً من خلال الإبقاء على منفذه في حالٍ من النفي والاضطهاد وعدم التبنّي تحت مُسمَّى " الشهيد الحيّ "، أي بتعبيرٍ آخر أرادوا جميعاً ضحيةً على الطريقة اللبنانية من خلال التضحية بشخصٍ واحد، بعد أن لمعَ اسمُه ولعبَ دوراً أساسياً في تحديد المسار التاريخي لتلك الحقبة. ناهيك عن حسابات الحردان التي نمَّت عن خشيته من منافسة حبيب الشرتوني كرمز قومي له ولمكانته في حزبه الذي سعى بكل الوسائل المعروفة وغير المعروفة للهيمنة عليه كأحد الأحزاب الفاعلة في الحياة السياسية.
لم يكن السوريون بدورهم بعيدين عن هذا المناخ الذي ارتضى به الجميع واعتبروا أن المسألة لا تتعدّى إخراج الشرتوني من السجن ليكمل حياته خارجه كيفما أكملها دون أن يُعيَّب عليهم أو على الحزب القومي مسألة الاستمرار باعتقاله، وقد دلّ سلوك ضباطهم في تلك الفترة على هذا التوجّه، الذي قاده غازي كنعان قبل أن تتكشّف لدى بعضهم إزدواجية الولاء، ما دفع بقيادتهم لتنحيتهم مداورةً عن مناصبهم.
أما بعد فعندما لم ينتهِ الشرتوني في حادث سير كما دُبّر له عشرات المرات ولم ينتهِ أيضاً باستفزازٍ أو استدراج لمشكل جانبي ولا بظرفٍ صحي نتيجة العوز والإهمال، واستمرّ على قيد الحياة، فبات يعبّر عن رأيه وله بعض الأصدقاء والمحبّين، ثارت ثائرة آل الجميل وأعوانهم من القوات والحلفاء وباتت المواجهة الإعلامية والأمنية محصورة بينه وبينهم فيما لا دخل لأية جهةٍ رسمية أو حزبية بهذا الشأن لا بل بشؤونه كافة، هذا بالرغم من إطلاق التهديد والوعيد كلما نطق بكلمة وكأن المحاسبة واقفة باستعداد على الباب لتُنزل بالحزب القومي وبالنظام السوري وما شاكل ذلك من بدعٍ كلامية ولفظية صالحة كمواد إعلامية ليس إلاّ.
وبعد أن حصلت تغييرات في بنية الدولة على أثر مقتل الحريري عام 2005 واشترك أكثر من عشرين نائباً في إعطاء الرأي بقوانين العفو الصادرة في حينه، حيث اتضحت الصورة جليّة في الإبقاء على استثناء الشرتوني من هذه القوانين، لم يعد هناك أيّ ملف عالق منذ زمن الحرب وحتى بعدها إلى يومنا هذا غير ملفّه.
لا بل اتضّح التشريع في لبنان غير خاضع للأصول المتعارف عليها ولا لمعايير التشريع حول العالم بحيث يصدِرُ قوانين على أهواء السياسيين لتناسب تطلعاتهم ومصالحهم الآنية، ما أفقد الدولة معظم صفاتها وأوصل البلاد إلى حالٍ من الفوضى والعجز والانحلال العام.
واليوم وبعد أن انقضى على إغتيال الجميّل 34 عاماً و 26 عاماً على إحالة الملف إلى المجلس العدلي أُعلن إلتئام أعضائه في 25 تشرين الثاني للبدء بمحاكمة الشرتوني غيابياً، ليصدرَ فيما بعد الحكمَ عليه، بالوقت الذي لا يمكن لأي دفاعٍ المثول أمام محكمة مغلقة من هذا النوع وغير عادية، بظل غياب المتّهم بحكم أن حضوره سوف يؤدّي لاغتياله في السجن كما كان حصلَ من قبل لو عُلم بإمكانية خروجه، ولولا أعجوبة تحمّله أسوأ معاملة عرفتها سجون لبنان لا بل العالم، إذ هدفت لدفعه إلى الجنون والموت، وكانت قد رافقت اغتيال أهله وأقاربه من باب الانتقام.
وهنا نسأل ما سبب انعقاد محكمة المجلس العدلي اليوم بعد كل هذا الوقت؟ ولماذا أحيل أصلاً ملف اغتيال الجميّل إلى أعلى سلطة قضائية في لبنان وعُطّل العفو عنه، فيما لحق بطريقة غير مباشرة وصريحة بكلّ الإغتيالات السياسية الأخرى دون استثناء؟
لا ريب من نزاهة بعض القضاة وعدم إنحيازهم، لكن الجسم القضائي في لبنان يتعرّض باستمرار إلى ضغوط من السياسيين، ولا نتوقّع في الجوّ المشحون الحالي أن تتمّ محاكمة نزيهة وعادلة تأخذ بعين الاعتبار القوانين والتشريعات الآيلة لإدانة الجميّل وتبرئة الشرتوني كمنفذ لإرادة القانون والشعب وفق النصوص الواضحة في الدستور.
10/10/2016 حبيب الشرتوني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق