بقلم: نارام سرجون
مقال جدير بالقراءة: معالم الطريق إلى الإرهاب - بقلم: مصطفى السعيد (الأهرام)
------------------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------------------
ليست كراهية الجماعات السلفية للفن لاعتقادهم فقط أنه حرام، بل لأن الفن
والجمال عموما من أشد أعداء هذه الجماعات، التي ترى كل ما هو جميل فتنة،
يحبب الناس في الدنيا، بينما ترتكز دعواهم على ازدراء الدنيا، والتفكير فقط
في الآخرة، لأنها الخطوة الأولى نحو الإرهاب.
لا يمكن أن تجد متطرفا يمارس أو يحب أي نوع من الفنون، ولا زار متحفا أو دار أوبرا، أو حتى معرضا للوحات فنية، لهذا كانت المعارض وحفلات الغناء أهم أهداف جنازير وسنج وسيوف الجماعات المتطرفة في الجامعات منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكانت كوكب الشرق أم كلثوم هدفا للشيخ عبد الحميد كشك، يسبها ويتهكم على أغانيها وسط الآلاف من مستمعي خطبه، ومعهم عشرات أجهزة التسجيل ليروجوا أشرطة كاسيت خطبه في القرى والمدن.
إذا كنت قد شاهدت مكان اعتصام الجماعات السلفية قرب تمثال النهضة أمام جامعة القاهرة ستعرف مدى تعايشهم مع القبح، في الملبس والمأكل والسلوك، حيث اعتادوا ذبح المواشي وسلخها وترك آثار الدماء في موقع اعتصامهم الشهير.
يكرهون جمال المرأة، لأنها تبعث على الأمل والرغبة في الحياة، لهذا تمادوا في إخفاء وتشويه جمالها، وكلما ازداد زيها قبحا رأوه تقربا إلى الله.
إنهم لا يرون في الحياة الدنيا إلا أنها بلاء واختبار، لهذا لن تجد بين خطبهم إشادة بإنجاز علمي أو أدبي، اللهم إلا السيارات المفخخة ومدفع جهنم.
الخطوة التالية في طريق الإرهاب هي الكراهية، التي رفعوها إلى مكانة أحد أركان الإسلام، وفق تأويلهم لمفهوم «الولاء والبراء»، ويقولون إن غالبية الناس تجاهلت هذا الركن، وأنهم جاءوا هم ليخرجوه من دائرة الغفلة، وإذا كان مفهوم الولاء هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم . فقد اختزلوا مفهوم البراء في كراهية كل من يخالفهم معتقداتهم، بوصفهم من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
ويستندون إلى تفسير بعض الدعاة لهذا المفهوم، ليجعلوا من العداوة والبغضاء من متممات الدين، فطالما أحببت دينك عليك أن تكره وتعادي من لا يعتنقه، فلا يوجد في نظرهم إلا طريقان أو فسطاطان، الأول إلى الله والثاني إلى الشيطان.
ويتطلب هذا المفهوم عدم موالاة الفاسقين والمبتدعين أو التشبه بهم في اللبس والكلام، واتخاذهم أصدقاء أو بطانة أو مستشارين، واستعمال التاريخ الميلادي لأنه مرتبط بطقوس الكفار والمشركين وأعيادهم، وعدم التسمي بأسمائهم أو مساعدتهم في الإعداد لأعيادهم أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، ومنع مدحهم أو الإشادة بأي نجاح حققوه، أو ذكر محاسن حضارة أو مدنية أو الإعجاب بأخلاقهم ومهارتهم.
هكذا يكون المتطرف قد رأى أن كل من يختلف معه في القليل أو الكثير مما يعتقده يجب أن يضعه في دائرة المكروه، مهما تكن أخلاقه سامية أو سلوكه راقيا، فهو في نظره ليس إلا من أتباع الشيطان، وتصل القطيعة معه إلى درجة الخصومة والعداء حتى لو لم يلحق به أي إيذاء، وهذه الصورة الشيطانية لا تقتصر على أصحاب الديانات الأخرى، بل تمتد إلى المسلمين الذين لا يشاطرونه معتقداته، لأنهم في نظره فاسقين ومبتدعين وعصاة، وتمهد هذه النظرة للخطوة التالية وهي «التكفير»، والذي يتسع مفهومه ليشمل من لا يلتزم بزيهم، ويعيش نمط حياتهم، ويحرصون على توسيع الفجوة مع من يعتقدون أنهم كفار، حتى إذا ما حان تطبيق الفريضة الغائبة، وهي الجهاد، يكونون قد تهيأوا لقتل هؤلاء الكفار، فلا تأخذهم بهم رحمة. لا ينتبه الكثيرون، وربما يتغاضون عن تلك الخطوات الأولى في تشكيل الجماعات الإرهابية، ولا يتحركون إلا عندما تتحول هذه الجماعات من ممارسة التكفير إلى إعلان الجهاد، وهي خطوة غاية في البساطة، وانتقال طبيعي بل ضروري إلى تطبيق فريضة «الجهاد» الغائبة، مثلما ترى أن «الولاء والبراء» وفق تفسيرهم ركن غائب من أركان الإسلام.
إن أعدادا ضخمة من أعضاء هذه الجماعات مستعدون للانتقال من التكفير بالكلمة إلى الجهاد بالمتفجرات، وهؤلاء يشكلون خطرا وشيكا يهدد المجتمع، وقنابل قابلة للانفجار في أية لحظة، تدمر وتحرق وتقتل بمجرد صدور فتوى تدعو إلى حمل السلاح لإنشاء دولة الخلافة المزعومة، والتي تبين أنها لا تمارس كل أنواع القتل والنهب والاغتصاب في المناطق التي أقاموا عليها إماراتهم أو دولة الخلافة التي أنشأها تنظيم «داعش» في العراق وسوريا.
وحتى إذا افترضنا بحسن نية أن هؤلاء سيتوقفون عن حدود التكفير، فإنهم طاقة تعطل تطور المجتمع، وتسحبه إلى هوة الماضي السحيقة، وتنقله من معايشة الحياة ومحاولة تطويرها إلى جرنا لثقافة الموت، والانشغال فقط بعذاب الآخرة وحوريات الجنة، فهؤلاء معادون للعلم والفن والتطور، ويسعون إلى تقويض كل أسس التقدم، لأنهم يكرهون الحياة، ولا يرون فيها إلا ملهاة يجب درء مفاتنها.
إننا نحتاج إلى مشروع يعيد الاعتبار للحياة، ويهزم مشروع الموت المبكر للمجتمع، الذي تبشر به هذه الجماعات، مشروع يسمو بالحياة ويقدسها بالعلم النافع والفن الراقي وقيم التسامح والحب، مشروع للابتسامة في مواجهة التجهم، وللجمال في مواجهة القبح، وللحب في مواجهة الكراهية.
===================================
الرابط الأصلي للمقال:
http://www.ahram.org.eg/…/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D…
لا يمكن أن تجد متطرفا يمارس أو يحب أي نوع من الفنون، ولا زار متحفا أو دار أوبرا، أو حتى معرضا للوحات فنية، لهذا كانت المعارض وحفلات الغناء أهم أهداف جنازير وسنج وسيوف الجماعات المتطرفة في الجامعات منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكانت كوكب الشرق أم كلثوم هدفا للشيخ عبد الحميد كشك، يسبها ويتهكم على أغانيها وسط الآلاف من مستمعي خطبه، ومعهم عشرات أجهزة التسجيل ليروجوا أشرطة كاسيت خطبه في القرى والمدن.
إذا كنت قد شاهدت مكان اعتصام الجماعات السلفية قرب تمثال النهضة أمام جامعة القاهرة ستعرف مدى تعايشهم مع القبح، في الملبس والمأكل والسلوك، حيث اعتادوا ذبح المواشي وسلخها وترك آثار الدماء في موقع اعتصامهم الشهير.
يكرهون جمال المرأة، لأنها تبعث على الأمل والرغبة في الحياة، لهذا تمادوا في إخفاء وتشويه جمالها، وكلما ازداد زيها قبحا رأوه تقربا إلى الله.
إنهم لا يرون في الحياة الدنيا إلا أنها بلاء واختبار، لهذا لن تجد بين خطبهم إشادة بإنجاز علمي أو أدبي، اللهم إلا السيارات المفخخة ومدفع جهنم.
الخطوة التالية في طريق الإرهاب هي الكراهية، التي رفعوها إلى مكانة أحد أركان الإسلام، وفق تأويلهم لمفهوم «الولاء والبراء»، ويقولون إن غالبية الناس تجاهلت هذا الركن، وأنهم جاءوا هم ليخرجوه من دائرة الغفلة، وإذا كان مفهوم الولاء هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم . فقد اختزلوا مفهوم البراء في كراهية كل من يخالفهم معتقداتهم، بوصفهم من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
ويستندون إلى تفسير بعض الدعاة لهذا المفهوم، ليجعلوا من العداوة والبغضاء من متممات الدين، فطالما أحببت دينك عليك أن تكره وتعادي من لا يعتنقه، فلا يوجد في نظرهم إلا طريقان أو فسطاطان، الأول إلى الله والثاني إلى الشيطان.
ويتطلب هذا المفهوم عدم موالاة الفاسقين والمبتدعين أو التشبه بهم في اللبس والكلام، واتخاذهم أصدقاء أو بطانة أو مستشارين، واستعمال التاريخ الميلادي لأنه مرتبط بطقوس الكفار والمشركين وأعيادهم، وعدم التسمي بأسمائهم أو مساعدتهم في الإعداد لأعيادهم أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، ومنع مدحهم أو الإشادة بأي نجاح حققوه، أو ذكر محاسن حضارة أو مدنية أو الإعجاب بأخلاقهم ومهارتهم.
هكذا يكون المتطرف قد رأى أن كل من يختلف معه في القليل أو الكثير مما يعتقده يجب أن يضعه في دائرة المكروه، مهما تكن أخلاقه سامية أو سلوكه راقيا، فهو في نظره ليس إلا من أتباع الشيطان، وتصل القطيعة معه إلى درجة الخصومة والعداء حتى لو لم يلحق به أي إيذاء، وهذه الصورة الشيطانية لا تقتصر على أصحاب الديانات الأخرى، بل تمتد إلى المسلمين الذين لا يشاطرونه معتقداته، لأنهم في نظره فاسقين ومبتدعين وعصاة، وتمهد هذه النظرة للخطوة التالية وهي «التكفير»، والذي يتسع مفهومه ليشمل من لا يلتزم بزيهم، ويعيش نمط حياتهم، ويحرصون على توسيع الفجوة مع من يعتقدون أنهم كفار، حتى إذا ما حان تطبيق الفريضة الغائبة، وهي الجهاد، يكونون قد تهيأوا لقتل هؤلاء الكفار، فلا تأخذهم بهم رحمة. لا ينتبه الكثيرون، وربما يتغاضون عن تلك الخطوات الأولى في تشكيل الجماعات الإرهابية، ولا يتحركون إلا عندما تتحول هذه الجماعات من ممارسة التكفير إلى إعلان الجهاد، وهي خطوة غاية في البساطة، وانتقال طبيعي بل ضروري إلى تطبيق فريضة «الجهاد» الغائبة، مثلما ترى أن «الولاء والبراء» وفق تفسيرهم ركن غائب من أركان الإسلام.
إن أعدادا ضخمة من أعضاء هذه الجماعات مستعدون للانتقال من التكفير بالكلمة إلى الجهاد بالمتفجرات، وهؤلاء يشكلون خطرا وشيكا يهدد المجتمع، وقنابل قابلة للانفجار في أية لحظة، تدمر وتحرق وتقتل بمجرد صدور فتوى تدعو إلى حمل السلاح لإنشاء دولة الخلافة المزعومة، والتي تبين أنها لا تمارس كل أنواع القتل والنهب والاغتصاب في المناطق التي أقاموا عليها إماراتهم أو دولة الخلافة التي أنشأها تنظيم «داعش» في العراق وسوريا.
وحتى إذا افترضنا بحسن نية أن هؤلاء سيتوقفون عن حدود التكفير، فإنهم طاقة تعطل تطور المجتمع، وتسحبه إلى هوة الماضي السحيقة، وتنقله من معايشة الحياة ومحاولة تطويرها إلى جرنا لثقافة الموت، والانشغال فقط بعذاب الآخرة وحوريات الجنة، فهؤلاء معادون للعلم والفن والتطور، ويسعون إلى تقويض كل أسس التقدم، لأنهم يكرهون الحياة، ولا يرون فيها إلا ملهاة يجب درء مفاتنها.
إننا نحتاج إلى مشروع يعيد الاعتبار للحياة، ويهزم مشروع الموت المبكر للمجتمع، الذي تبشر به هذه الجماعات، مشروع يسمو بالحياة ويقدسها بالعلم النافع والفن الراقي وقيم التسامح والحب، مشروع للابتسامة في مواجهة التجهم، وللجمال في مواجهة القبح، وللحب في مواجهة الكراهية.
===================================
الرابط الأصلي للمقال:
http://www.ahram.org.eg/…/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق