الأحد، 4 ديسمبر 2016

جاكلين رفيقة سلاح الأسير جورج إبراهيم العبدالله ترحل في صمت.. وسرها معها

جاكلين رفيقة سلاح الأسير جورج إبراهيم العبدالله ترحل في صمت.. وسرها معها

c495ea36-d099-4312-ab37-8029bc7ff67e
 المناضلة الثورية جاكلين إسبر، التي اختارت طريق النضال بانضمامها الى «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، فعاشت حياة صاخبة مليئة بالنضالات ضد العدو الصهيوني، وارتبط اسمها بعملية اغتيال «الملحق الامني» في سفارة العدو الاسرائيلي في باريس ياكوف بارسيمنتوف في العام 1982، وسط تضارب في المعلومات حول طبيعة العلاقات التي كانت تجمع أولئك المنضوين في «الفصائل» وبينهم إبن بلدة القبيات اللبنانية المناضل الأسير في السجون الفرنسية الرفيق جورج إبراهيم العبدالله.
لا يعرف أبناء بلدة جبرايل عن حياة جاكلين السياسية الكثير. جل ما يعرفونه أنها سيدة مثقفة، محترمة، لا تهاب شيئا، تلبي احتياجاتها بنفسها، استطاعت أن تحتل حيزا في قلب كل من عرفها من أبناء بلدتها.
«جبارة على الألم والمرض، متفانية، شجاعة»، بهذه الكلمات يصفها رئيس بلدية جبرايل الدكتور جميل خوري الذي عايشها على مدى ست سنوات، وتابع حالتها الصحية من موقعه كصيدلي، مؤكدا أن جاكلين من السيدات العظيمات اللواتي عرفهن لبنان والعالم العربي، ويقول: «تميزت بذكائها الحاد، بجبروتها، بقدرتها على مقاومة المرض، فكانت تذهب الى المستشفى العسكري في بيروت وتنجز كل المعاملات المتعلقة بها وبوالدتها كونها إبنة عسكري في الجيش اللبناني، تتلقى علاجها من مرض السرطان وتعود بمفردها من دون أن تقبل أي مساعدة من أحد».
أما العلاقة المميزة التي جمعت جاكلين بخوري بلدة جبرايل الأب أنطوان الجمال، «ستبقى ذكرى جميلة في قلبي»، كما يقول، مؤكدا «أنه لا يمكننا ذكر جاكلين سوى بالخير والعمل الصالح، فهي كانت حريصة على الوفاق في البلدة واعطاء صورة جميلة عن أبناء جبرايل أينما وجدوا، هي المرأة المثقفة، الطيبة، التي لا تُذكَر إلَّا بالخير».
كسرت جاكلين إسبر من مواليد عام 1959 ابنة بلدة جبرايل العكارية كل التقاليد المتعلقة بالريف واختارت طريق النضال بانضمامها الى «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» باسم حركي هو «ريما».

رحلت جاكلين، يوم 26 نونبر 2016، بصمت بعد صراع مع المرض بخلاف حياتها الصاخبة التي توجتها بالمشاركة في عملية اغتيال ياكوف بارسيمنتوف لتحكم بعدها غيابيا بالمؤبد من قبل المحكمة الفرنسية.

عادت بعدها جاكلين الى لبنان وأمضت جزء من حياتها في السرية بسبب ملاحقتها من قبل «المخابرات الدولية» و«الموساد»..، فأمضت أوقاتها متنقلة بحذر بين المخيمات الفلسطينية.

لا يعرف أهالي جبرايل الكثير عن جاكلين التي لم تكن تختلط بالناس. كل ما يعرفونه عنها أنها الأسطورة التي حاربت العدو الصهيوني، وبعض القصص التي يسمعونها عن نضالها الى جانب الفصائل الثورية اللبنانية.

كانت جاكلين تزور في الفترات الأولى بلدتها جبرايل متخفية بمرافقة حراس، قبل أن تعود اليها في عام 2000 بعد إصابتها بالمرض، تعيش بمفردها بعد وفاة والدها وانتقال والدتها للاقامة مع أشقائها في الخارج.
أما عن ماضيها السياسي، فيؤكد الأب الجمال أنها كتومة ويستحيل أن يعرف أحد سرها.
توفيت جاكلين، ريما، أو ناتالي وسرها معها، لكن الأكيد أن جاكلين لم تنقطع عن رؤية رفاق الدرب وكانت تلتقي بالعديد منهم من أبناء بلدة عندقت في الأماكن العامة من دون أي تحفظ أو خوف.
...............

جاكلين إسبر “ريما” لم تترك وصيّة ولم يتبقَّ منها الّا المسدّس…

annahj-11-2016-5

جاكلين إسبر

02  ديسمبر 2016 , 11:30ص
عامر محسن

 أنت على الأرجح لا تعرف من هي جاكلين إسبر “ريما” التي رحلت عنّا منذ أسبوع، وهذا غير مستغرب. لسببين: أوّلاً، لأنها قضت العقود الأخيرة من حياتها متخفّيةً، تلاحقها السّلطات الغربية والإسرائيلية وأعوانها في الدّاخل، لإدانتها بعدّة تهم كان أشهرها اغتيال ملحق السّفارة الإسرائيلية في باريس، ورابط الموساد فيها، ياعكوف بارسيمنتوف، عام 1982.

اغتيال «الملحق الأمني» في سفارة إسرائيل في باريس، ياكوف بارسيمنتوفاغتيال «الملحق الأمني» في سفارة إسرائيل في باريس، ياكوف بارسيمنتوف

أنت على الأرجح لا تعرف من هي جاكلين إسبر “ريما” التي رحلت عنّا منذ أسبوع، وهذا غير مستغرب لسببين: أوّلاً، لأنها قضت العقود الأخيرة من حياتها متخفّيةً، تلاحقها السّلطات الغربية والإسرائيلية وأعوانها في الدّاخل، لإدانتها بعدّة تهمٍ كان أشهرها اغتيال ملحق السّفارة الإسرائيلية في باريس، ورابط الموساد فيها، ياعكوف بارسيمنتوف، عام 1982.
ثانياً، نحن لا نعرف مناضلة كجاكلين لأنّ نموذج “المناضل\ النجم” و”المناضل\ الكاتب” و”المناضل\ المهرّج” قد راج وهيمن حتّى اختلط الأمر على الكثيرين، وتحوّر عندهم معنى “النضال” (مؤخّراً، أصبح لدينا ايضاً نموذج “المناضل” الذي تموّله المؤسسات الأوروبية، ويتبناه الإعلام الغربي ويعتنق قضيته).

جاكلين إسبر - ريما. الصورة من جريدة الأخبار اللبنانية
جاكلين إسبر – ريما. الصورة من جريدة الأخبار اللبنانية

لم يعد واضحاً للرأي العام أن أكثر المناضلين هم أناسٌ يعملون بصمت، ينفّذون مهمّتهم، ويدفعون الثمن كاملاً من أغلى ما يملكه الإنسان ــــ عمره وأمنه ــــ من غير أن يتوقّعوا اعترافاً أو تعويضاً أو شهرةً. ومن يظلّ على قيد الحياة لا يجمع ثروةً ولا يكتب سيرةً ولا يلقى حتّى، في حالاتٍ كثيرة، انتصاراً يعوّضه عن التضحيات. هم بطلٌ من أبطال الثورة الفلسطينية يعمل اليوم سائق تاكسي في عمّان، مقاتلٌ يحتضر وحيداً ومجهولاً في عاصمةٍ باردة، أو فدائيّ صار شيخاً في بيروت، لا يملك الّا الغربة والكرامة. ومثلهم، في هذه الأثناء، من يُفني عمره وشبابه من غير أن تسمع به، فمهمّته هي أن يهرب من الكاميرات لا أن يسعى اليها، فيما نحن ــــ باقي النّاس ــــ نعيش حياتنا ونتعلّم ونعمل ونحبّ، ونحزن وننكسر بسبب الخسائر الصغيرة.
الفارق في حالة جاكلين ورفاقها هي أنّ حربهم لم تنتهِ، لا بالشهادة ولا بـ”التقاعد”. بل هم، من تبقّى منهم، يظلّون ملاحقين مهدّدين ــــ والعدوّ لا ينسى ولو نسيهم رفاقهم السابقون ــــ وتستمرّ مهمتهم حتّى لحظاتهم الأخيرة (أو حتّى تأتي الى هذه البلاد أنظمةٌ غير تابعة، تحمي من ناضل لأجل هذه الأرض ولا تسلّمه للعدوّ). كانت “ريما” في مطلع عشريناتها حين استقلّت الطّائرة غرباً تحت ستار الدّراسة. وهدفها الحقيقي، الذي تدرّبت لأجله، هو تنفيذ سلسلة من العمليات ضدّ أهدافٍ اسرائيلية وصهيونية في اوروبا. كانت “ريما” جزءاً من مجموعة ثورية لبنانية انبثقت عن تنظيم وديع حدّاد، وكلّ أفرادها الذين ما زالوا بيننا هم اليوم إمّا في الإعتقال أو ملاحقون، لا يحميهم حزبٌ أو تنظيمٌ أو دولة، ويواجهون، أفراداً، أجهزة مخابراتٍ ما زالت تبحث عنهم بإصرار ومناها أن تأسرهم أو تقتلهم.

جاكلين إسبر - ريما
جاكلين إسبر – ريما

حين توفّيت جاكلين الأسبوع الماضي، لم يكن الكثير من المعنيّين بقضيتها متيقّنين ممّا إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، وهل هي في لبنان أو خارجه. وعندما تكتشف وجود هؤلاء الناس اثر مماتهم، تتعجّب كيف عاشوا بيننا طوال هذه السنوات، من دون أوراقٍ رسمية أو عملٍ أو مصادر دخلٍ، أو حتى تأمين طبّي بسيط، وكيف استمرّوا وصمدوا متمسّكين بقناعاتهم ومحتمين بالمجهولية. المسألة لا تتوقّف على الصعوبات العمليّة، فهؤلاء النّاس يراقبون ويعرفون ما يجري في العالم، ويشهدون من يخون ومن ينقلب، ومن سلّم رفاقه وأنكرهم، ومن جعل من النّضال رزقةً ونجومية، فيما هم بلا سندٍ أو حماية.
يجب أن يعرف الناس قصّة جاكلين لا لتكريمها (فهي لم تطلب من أحدٍ، يوماً، اعترافاً أو تكريماً؛ كلّ همّها كان في تنفيذ ما اعتبرته واجبها)، بل ليرى الجّيل الجديد شكلاً حقيقياً للنضال، يختلف عن ذاك الذي تروّج له وسائط الهيمنة ويعجبها وترضى عنه؛ وأنّ يفهم أنّ اختيار هذا الطريق يعني وعياً مسبقاً بالكلفة التي ستدفعها، وأن تتوقّع الخيانة وتحتملها، وأن لا يضيرك أن تكون قدّيساً منسيّاً. الهدف هنا ليس التأسّف أو الحداد والشكوى، فنحن من يستحقّ الأسف وليس جاكلين، بل تبيان أن “ريما”، اخيراً، قد نجحت في مهمّتها.لم يكن في وسع جاكلين ورفاقها التحكّم بالأحداث التي ضربت أوطانهم وقضيّتهم، أو ردّ تراجع اليسار وفساد الأنظمة وانهيار الاشتراكية. ولكنّهم، في وسط كلّ هذه الظّروف اليائسة، حدّدوا بوضوحٍ المسار الصّعب الواجب عليهم. اعتبرت جاكلين إسبر، طوال هذه السّنوات، أنّ أمامها مهمّتين: أن تتمسّك بمبادئها ولا تتراجع أو تتنازل أو تساوم (وهو أصعب بكثير مما يتخيله الناس)، وثانياً ــــ وهذه لا تقلّ أهميّة ــــ أن لا يتمّ القبض عليها، وأن تظلّ حرّةً، ولا تقع في أيدي أعدائها؛ وجاكلين قد نجحت في المهمّتين. من هنا، ولأنّها مناضلة حقيقية، لم تخلّف جاكلين حين رحلت أي مقتنيات، ولم تترك “بياناً” أو رسالة الى الإعلام، أو حتّى وصيّة. لم يتبقَّ منها الّا المسدّس.

  • المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق