الخميس، 27 يوليو 2017

كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله 26/7/2017

تحرير الجرود يقلق إسرائيل: حزب الله درع لبنان

علي حيدر
لم نعد نحتاج إلى كثير من تعليقات الخبراء والمعلقين الإسرائيليين لاستكشاف أصداء معركة تحرير الجرود ومفاعيلها في وعي صناع القرار السياسي والأمني في تل أبيب وحساباتهم. فالأداء الإسرائيلي والذاكرة ووسائل الإعلام العبرية والعربية زخرت، طوال السنوات الماضية، بمواقف مسؤولين إسرائيليين كثر، بمستوياتهم العسكرية والسياسية والاستخبارية، تناولت مختلف جوانب المواجهة بين حزب الله والجماعات الإرهابية والتكفيرية.
وهو ما شكل رؤية إسرائيلية متكاملة، يكفي الاستناد إليها لاستخراج معالم رهاناتهم وآمالهم، لدور هذه الجماعات في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة حزب الله ومحور المقاومة. وفي الخلاصة، تحقق السيناريو الأكثر إقلاقاً لصانع القرار في تل أبيب: تبدّد الرهان على الدور الوظيفي لهذه الجماعات بسقوفه المتعددة، الاجتثاث والاستنزاف والإشغال، وتحوّل حزب الله إلى درع لبنان فعلياً، مع منسوب غير مسبوق من التأييد والالتفاف الشعبي.
بالنسبة لمن ذاكرتهم قصيرة، في البداية كان سقف رهاناتهم في تل أبيب مرتفعاً، وأبلغ من عبّر عنها، في حينه، وزير الأمن ايهود باراك ورئيس أركان الجيش بني غانتس وغيرهما. وتمحورت هذه الرهانات في السنوات الأولى من الأحداث السورية حول الآمال بالتخلص من حزب الله وإعادة إنتاج بيئة إقليمية تُطبق واشنطن بموجبها سيطرتها على سوريا ولبنان والمنطقة، وتوفر لتل أبيب حزاماً أمنياً إقليمياً يطلق يدها في المنطقة وبشكل أخص في مواجهة لبنان.
مع تبدّد هذه الآمال، تراجعت سقوف الرهانات الإسرائيلية إلى مستويات تطمح من خلالها إلى أن تشكل قيداً على هامش الرد والمناورة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي، وصولاً إلى محاولة استنزافه وإشغاله وحرف تركيز قدراته نحو جبهات متعددة.
مع تهاوي سلسلة «السقوف – الرهانات»، بفعل هزيمة المخطط الأميركي ــ بالأصالة، والتكفيريين ــ كأداة (كانوا يراهنون على نجاح مشروعهم بما يتجاوز كونهم أداة) في الساحة السورية، وبعد تشتيت انتشارهم، تراجع الدور الوظيفي لهذه الجماعات بما يتناسب مع الانتشار الجغرافي لكلّ منها.
مع ذلك، بات هذا الدور الوظيفي أكثر ظهوراً من أيّ عنوان وهوية أخرى كانوا يتوهمونه. وأكثر من عبَّر بشكل صريح ومباشر عن موقع هذا الدور في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي حذَّر من الأمم المتحدة، وفي مناسبات أخرى أيضاً، من هزيمة داعش وترك إيران (وحلفائها)، واصفاً هذا السيناريو بأنه انتصار في المعركة وخسارة للحرب. ثم كرر موقفاً مشابهاً قبل يومين عند زيارته الجولان برفقة كبار القادة العسكريين، محذراً من أن «داعش في تراجع كبير، وإيران تحاول أن تملأ هذا الفراغ». وأيضاً رئيس الاستخبارات اللواء هرتسي هليفي الذي حذر، في مؤتمر هرتسيليا السنة الماضية، من خطورة مفاعيل القضاء على داعش، وتأثير ذلك على معادلة الصراع مع إسرائيل لصالح حزب الله وحلفائه.
في الجنوب بات دور «الحزام الأمني» لإسرائيل هو العنوان الرئيسي الفعلي الذي يحكم أداء هذه الجماعات، إلى حين تبلور القرار الإقليمي والدولي بالاستغناء عنها بعد استنفاد دورها.
في الشرق السوري حاولوا ــ وما زالوا ــ لعب دور العازل الذي يسعى للفصل بين ساحات محور المقاومة، من لبنان وسوريا إلى عمقها العراقي والإيراني.
وفي ساحات أخرى، ما زالت الحاجة إليهم لمواصلة عملية استنزاف الدولة السورية، وكجزء من أوراق الضغط والمساومة على طاولة المفاوضات. وفي هذا الكثير من التفاصيل.
أما في الجرود اللبنانية، فقد بات الدور الوظيفي المركزي لهذه الجماعات موجّهاً بشكل رئيسي باتجاه لبنان، خاصة بعدما فقدت التواصل مع عمقها السوري، وبات تأثيرها على الساحة السورية أكثر ضعفاً ومحدودية من أي وقت مضى.
انطلاقاً من القوالب نفسها التي تحكم المقاربة الإسرائيلية لمجمل دور هذه الجماعات على الساحة السورية، كان وما زال الرهان الإسرائيلي على أن تكون هذه الجماعات مصدر تهديد الجبهة الداخلية والخلفية لحزب الله (بحسب تعبير غانتس)، ومحاولة إشغاله وفرض قيود على هامشه في المبادرة والرد في مواجهة التوثب الإسرائيلي ضد لبنان. إضافة إلى كونها ورقة يمكن للعديد من الجهات الإقليمية والدولية، وحتى بعض المحلية، توظيفها في الساحة اللبنانية كما حصل في أكثر من بلد عربي.
ينبغي التذكير، أنه ليس جديداً الرهان الإسرائيلي على الجبهة الخلفية لحزب الله، وتحديداً منذ خروج الجيش السوري من لبنان وتشكيل سلطة معادية للمقاومة في لبنان سعت لنزع سلاح المقاومة. وهو ما كشفه بشكل صريح ومباشر رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي الحالي، اللواء عاموس يادلين خلال مؤتمر المعهد عام 2016، («الأخبار» ــ العدد ٢٩٥٧ ــ ١٠ آب ٢٠١٦ ــ إسرائيل: أردنا ردع حزب الله فردعنا).
الآن، وفي ذروة الانتصارات السريعة التي حققها ويحققها حزب الله في معركة تحرير الأراضي اللبنانية ـــ الجرود ـــ من سيطرة تنظيم «القاعدة – جبهة النصرة»، على أن يتبعها لاحقاً تنظيم «داعش»، من المسلّم به، وبالاستناد إلى مجمل رؤية المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيلية، أن منسوب القلق في تل أبيب بلغ مستويات متقدمة في ضوء النتائج والتداعيات التالية:
القضاء على سيطرة هذه الجماعات في الجرود يعني سقوط الرهان عليها كمصدر تهديد عسكري للجبهة الداخلية في لبنان. وكعامل إشغال واستنزاف وتقييد لهامش حزب الله في مواجهة أي عدوان إسرائيلي.
سلب الجهات المعادية للمقاومة في لبنان والمنطقة، إحدى أهم أوراقها على الساحة اللبنانية، والتي كشفت التجارب السابقة أنها تؤدي دوراً وظيفياً أمنياً وسياسياً في سياق الصراع مع المقاومة وخيارها في لبنان. والنتيجة التي ستترتب على فقدان هذه الورقة، هو إضعاف مكانة هذه الجهات، والرهان عليها، في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة حزب الله.
القلق الأكثر حضوراً في وعي وحسابات المؤسسة الإسرائيلية، هو تحقق السيناريو الذي استشرفته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، «امان»، قبل أكثر من سنة، على لسان رئيس الساحة الشمالية، ومن ضمنها لبنان، عندما لفت إلى أن حزب الله «تحول فعلاً إلى درع لبنان». (الأخبار - العدد ٢٨٧٠ - ٢٣ نيسان ٢٠١٦)، وهو ما يعني تصدع المخطط الإسرائيلي بأن يبدو حزب الله في الوجدان العام اللبناني كما لو أنه مشكلة، وليس عامل قوة، إلى جانب الجيش اللبناني، يحمي لبنان من الأخطار الإسرائيلية والإرهابية. ومن المؤكد أن المعطى الذي عزَّز القلق في تل أبيب، وأجهزتها المهنية والسياسية، هو التأييد والالتفاف الشعبي الواسع حول عملية تحرير الأراضي اللبنانية.
على المستوى العسكري، المؤكد أن الجهات المهنية ذات الصلة، واكبت وستواكب تطور كفاءات وقدرات حزب الله الهجومية في مناطق جبلية معقدة، وعبر تشكيلات قتالية لم يسبق أن واجهتها إسرائيل في مواجهة الحزب. ومع أن كبار القادة والخبراء الإسرائيليين سبق أن أقروا بتطور حزب الله على هذا الصعيد، إلا أن معركة تحرير جرود عرسال شكلت ترجمة عملية لهذا المفهوم الذي بات أكثر حضوراً لدى جيش العدو على مستوى الخطط وفرضيات العمل.
مع ذلك، يبقى السؤال حول الخطة الأميركية – الإسرائيلية المضادة التي سيعمل عليها الطرفان بعد فشل هذه الجماعات في تحقيق المؤمل منها، وهو ما يستدعي المزيد من المتابعة والرصد لمعالمها وأدوات تظهيرها.

الاثنين، 24 يوليو 2017

وثائقي قناة البلاد "‫#‏العربي_بن_مهيدي‬ .. حكيم الثورة" (الجزء الأول)

كل نساء العالم تنجب أطفال إلا الجزائر تنجب أبطال (العربي بن مهيدي)/wahidkha

مقدم الحلقة:
سامي كليب
ضيف الحلقة:
الجنرال أوساريس: جنرال سابق في الجيش الفرنسي
تاريخ الحلقة:
13/06/2003

سامي كليب: علموني أن أقتل دون أن أترك أثراً، علموني أن أكذب وألا أبالي لا بعذابي ولا بعذاب الآخرين.
هكذا مشاهدي الأعزاء يتحدث ضيفنا اليوم بعد أربعين عاماً من الصمت، هو الذي عذب الكثير في الجزائر، وشنق بيديه المناضل الجزائري الكبير العربي بن مهيدي، هل فعل ذلك حقداً؟ أم لمصلحة فرنسا كما يقول؟
ضيفنا اليوم هو الجنرال الفرنسي السابق بول أوساريس.
قبل 83 عاماً وُلِدَ بول أوساريس في مدينة (بوردو) الفرنسية، وفي كنف عائلة برجوازية تعلق بداية بكبار أدباء فرنسا قبل أن تستهويه فنون القتال أولاً في صفوف قوات التحالف الدولي في لندن ثم في الذراع العسكري لأحد أبرز أجهزة الاستخبارات الخارجية الفرنسية قبل أن يتولى رئاسة لواء المظليين، من هناك إلى فيتنام ثم الجزائر، وغياهب التعذيب والقتل والموت التي يروي اليوم تفاصيلها لكاتب يساعده في كتابة مذكراته.
بول أوساريس: خلال حرب 39 أصيبت عيني اليسرى بشظايا قنبلة صغيرة، عيني اليسرى إذن وقد أشرف على معالجتي طبيب مساعد قال إن الإصابة طفيفة، وأنها ستشفى لوحدها، لذلك عدلت عن الذهاب إلى المستشفى خشية إبعادي عن جيش المشاة.
سامي كليب: ما هو السبب الذي دفعك للعمل العسكري؟ هل الاحتلال الألماني مثلاً؟
بول أوساريس: كانت هناك تقاليد عسكرية قديمة في العائلة، فقد كان والدي يعمل مساعداً لحاكم منطقة قبل أن ينتقل للعمل في المجال الصِّحافي.
سامي كليب: صحف اليسار.
بول أوساريس: في الصحافة اليومية نعم، كان ذلك في مدينة (بوردو)، ولكن قبل ذلك أدى واجبه العسكري كضابط مساعد في جيش المشاة، ذلك أن تقاليد العائلة العسكرية تعود حسب علمنا إلى جيش نابليون، هذا الجيش الذي يعرف بالجيش الكبير، فجدي الثالث جون أوساريس كان جندياً في جيش المشاة الذي شارك في حملات الجيش الكبير، وفي معركة (أيلو) في الثامن من شباط فبراير عام 1807 أصيب جون أوساريس إصابة بليغة؟
سامي كليب: إذن كان تأثير العائلة عليك.
بول أوساريس: نعم.. نعم تأثري بالعائلة دفعني إلى الانخراط في صفوف الجيش.
سامي كليب: أقترح عليك أن نرى الصور قليلاً لكي نرى بداياتك العسكرية، أود أن تقول لنا ما هي هذه الصور؟
بول أوساريس: في هذه الصورة كنت ضابط صف وبعدها كولونيل وأُشرِفُ على قيادة فوج من المظليين.
سامي كليب: كان في أي سنة؟
بول أوساريس: كان ذلك في العام 1966، هذه الصورة التُقِطت في العام 57 عندما شاركت في حرب الجزائر العاصمة، أما هذه الصورة فقديمة، إنها تعود إلى العام 46.
سامي كليب: أين كنت؟
بول أوساريس: أنا في ذلك التاريخ كنت قائداً لكتيبة الصاعقة الحادية عشر في منطقة الـ(بري نيل أوريون باه) الفرنسية، هذه الصورة تعود في تاريخها إلى شهر تموز/يوليو أو إلى آب/أغسطس من العام 57 بعد حرب الجزائر العاصمة التي شاركت فيها فيما بين شهري يناير/كانون الثاني وتموز/يوليو، ونبدو في الصورة خلال إحدى عملياتنا في جبال جنوب شرق الجزائر.
سامي كليب: هذه كانت مرحلة هامة في حياتك العسكرية، معركة الجزائر سنعود إليها لاحقاً طبعاً ولكن بكلامك.. بكلمتين () تعلق عليها؟
بول أوساريس: أجل كان لحرب الجزائر العاصمة أثر كبير في تجربتي العسكرية.
سامي كليب: طبعاً كل الشهرة الإعلامية التي نلتها في فرنسا جاءت بسبب ما قلته عن الجزائر بعد 40 عاماً من الصمت، أنت الذي كنت مقاتلاً ضد الاحتلال النازي هنا في فرنسا، كيف قبِلت أن تقاتل الذين كانوا يناضلون من أجل تحرير بلادهم في الجزائر؟
بول أوساريس: في ذهني وعلى الصعيد النفسي لم أكن أشعر بأي تناقض، ذلك أن فرنسا قد احتُلت من قِبل ألمانيا النازية بعد حرب مفتوحة بين الجانبين، ولم يكن الشأن كذلك في الجزائر التي كانت تعتبر بالنسبة للفرنسيين جزءاً لا يتجزأ من فرنسا، فعلى المستوى الإداري مثلاً كانت الجزائر تنقسم إلى ثلاثة أقاليم، وبناءاً على ذلك بدت لي حركة الاستقلال الجزائرية في ذلك الوقت بدت لي عملاً غير شرعي.
سامي كليب: هل تعني جبهة التحرير الجزائرية؟
قرأت أيضاً يعني في الحديث عن علاقتك بالجزائر أنك حين خُيرت بأن تختار اسم حرب فقد اخترت اسم (جونسوال) والذي كان شارك في معركة الجزائر عام 1830، هل هذا يعني أنك كنت فعلاً تنوي الذهاب إلى الجزائر بأي ثمن؟ وأن تقاتل هناك؟
بول أوساريس: جونسوال كان أحد أقرباء جدي، وكان جندي خيالة في الجيش الكبير التابع لنابليون، قبل أن يصبح ضابطاً وذلك مكافأة له على جدارته، لذلك حظي على هذه الترقية.
سامي كليب: أي الشعور كان تولد لديك حين زرت الجزائر كعسكري هل شعرت أنك في بلد عدو وأن الذين يقاتلون للتحرير هم إرهابيون؟
بول أوساريس: عندما انتقلت للعمل في الجزائر أحسست وكأنني في بلدي، لأنني التقيت هناك بأصدقاء جزائريين قدامي، كنت أشعر بالطمأنينة وذلك لاقتناعي بأني على أرض صديقة، لم يكن.. ينتابني أي خوف، ومع أني أتفهم قيام حركة تحرير في الجزائر فإني على يقين من أن ذلك من عمل أقلية من غير أصدقائنا.
سامي كليب: في ربيع العام 1955 بدأ التحول في السياسة الفرنسية من أجل حزم أكثر وعمل عسكري أقصى ضد حركة التحرير الجزائرية، هل منذ ذاك الوقت تغيرت تجربتك العسكرية مع حركة التحرير؟
بول أوساريس: أجل منذ انتقالي للعمل في.. في (فيليب فيل) كضابط مخابرات، كان على أن أواجه مباشرة التطورات العسكرية التي جدت على الساحة حينها، بالطبع اتصلت منذ قدومي بالجهات صاحبة العلاقة بعملي في المخابرات كالسلطات الإدارية والقضائية والبوليس، ولم أستثني أي من هذه الأجهزة الإدارية بما فيها إدارة الماء وكذلك إدارة الغابات، أنا كنت على اطلاع بوجود حركة الاستقلال، ولكنها لم تكن في نظري قادرة على القيام بأي عمل عسكري، ولكن تغيرت هذه النظرة بالنسبة لي منذ السادس من حزيران/يونيو عام 55، وعندما هاجم عامل مسلم زميلاً له من الفرنسيين.
سامي كليب: (أنبييه نوا) أحد من يسموه بالأقدام السوداء.
بول أوساريس: أجل فقد هاجم هذا العامل المسلم الذي ينتمي إلى مخيم العالية أحد المناجم القريبة من (فيلب فيل) هاجم أحد العمال من الفرنسيين الذين يقيمون في الجزائر، وكان يعمل معه في المخيم نفسه، وهوى عليه بفأس وفر هارباً، وفي الوقت نفسه دوت انفجارات في 8 مواقع في العاصمة، أما المعتدي فقد أُلقي القبض عليه سريعاً وتم استجوابه من قِبَل البوليس القضائي، هكذا حصلت تلك الحادثة.
سامي كليب: تحت إشرافك مباشرة.
بول أوساريس: من المعلوم أن مثل هذه الأحداث لها صدى كبير، ولم يكن بوسع البوليس القضائي.. لم يكن بوسعه استغلال هذه الحادثة استغلالاً جيداً، ولهذا لقد استدعاني المحقق وقال لي: إنني معنيٌّ بدرجة أولى بصفتي ضابط مخابرات علاوة على أن هذا الحادث فريد من نوعه، إن كان عليَّ أن أتولى هذا الأمر بمساعدة البوليس القضائي والمخابرات العامة، سريعاً أدركنا أن لذلك الحدث أبعاداً أخرى تتجاوز الاعتداء الذي قام به ذلك العامل المسلم على زميله الفرنسي، وأدركنا أيضاً أن منظمة تقف وراء ذلك.. وراء ذلك الاعتداء طبعاً، ولم يكن هذا الحادث عملاً فردياً، لذلك حاولنا الضغط على ذلك العامل لمعرفة أعضاء المنظمة التي تقف وراء الحادث.
سامي كليب: بأي وسائل حاولت أن تعرف المزيد عن حركة التحرير من هذا العامل؟ هل هنا بدأت عمليات التعذيب ضدهم؟
بول أوساريس: توليت شخصيا التحقيق مع هذا العامل بالاتفاق مع البوليس القضائي والمخابرات العامة، وكان العنف الجسدي أول وسيلة للتحقيق مع هذا العمل [العامل]، دوائر الأمن و(الجاندرمة) شاركت أيضاً في هذا التحقيق الذي رافقه إذن العنف الجسدي.
سامي كليب: هل تحدث فيما بعد؟
بول أوساريس: كلا لم يتكلم.
سامي كليب: قُتِل تحت التعذيب، كيف حصل ذلك هذا العامل؟
بول أوساريس: أعتقد أنه مات بعد الإجهاد الذي أصابه من جراء احتجازه إلى مدة ساعات طويلة.
سامي كليب: بعد هذا الحادث هل بدأت عمليات التعذيب بشكل واسع؟ طبعاً سنعود إلى تعذيب قادة من جبهة التحرير -ولكن هل بدأتم آنذاك بتعذيب الجزائريين للحديث؟
بول أوساريس: كلا فقد سعيت بعد ذلك في البداية للحصول على المعلومات من خلال اتصالاتي بجهات عدة، وذلك من خلال الأخبار التي كانت تصلني من الجزائريين أنفسهم، طبعاً من توالت الأخبار بعدما تأكد الجميع من جدوى العمل الاستخباراتي، وتحديداً بعد التحقيق مع ذلك العامل، وبعد ما أدت التحقيقات إلى وفاته من دون الحصول على معلومات.
سامي كليب: ما الذي كان يدفع الناس للحديث؟ هل خوف من التعذيب؟ أم قلة تأييد جبهة التحرير وحركة التحرير في الجزائر؟
بول أوساريس: ما دفع بالبعض للحديث هو اقتناعهم بالطابع الإجرامي الذي يميز نشاط جبهة التحرير الجزائرية بعد الاعتداء الذي ذكرناه على مواطن عادي من قِبَل زميل يعمل معه، إذن تلقينا معلومات كثيرة جداً من أشخاص مقربين من جهة التحرير الجزائرية، لاعتقادهم بأن الطابع السلمي لنشاط الجبهة بدأ يتحول نحو نوع من ممارسة أعمال العنف.
سامي كليب: طبعاً الآن نتحدث للتاريخ ومن الصعب استعادة الشعور نفسه ولكن أي شعور انتابك حين قُتل هذا العامل تحت التعذيب؟
بول أوساريس: لقد شعرت بالأسف لوفاته، ولكنني وددت لو اعترف ولو أخبرنا عن المنظمة التي كانت وراء الانفجارات والاعتداءات.
سامي كليب: اسمح لي باستعادة بعض عباراتك التي استخدمتها في كتابك الذي نراه خلفنا، تقول: إني كنت أعتقد أني أقوم بعمل جيد، حتى ولو أني لم أحب ما كنت أعمله.
بول أوساريس: نعم، نعم هذا صحيح، قلت ذلك عن اقتناع شديد، لقد صُدمت بتلك الجريمة، ومع أنها معزولة وظرفية، إلا أنها كانت مصحوبة بأعمال تفجير، صحيح لم تسفر تلك الأعمال عن ضحايا، ولكن ذلك كان وارداً، كان محتملاً.
سامي كليب: شعرنا في خلال قراءة مذكراتك سيد أوساريس أنك كنت تشعر ببعض اللذة بعمليات التعذيب وترك القتلى على الشارع هل بات هذا الشعور فعلاً سخيفاً إلى هذا النحو وفي حياتك الشخصية؟
بول أوساريس: لا. كلا كلا، أبداً.. أبداً كان همي الوحيد هو الوصول بأي وسيلة إلى المنظمة التي كانت وراء التفجيرات، والتي رافقت اعتداء ذلك العامل على زميله.
سامي كليب: ولكن قرأنا أيضاً في مذكراتك الشخصية أن حتى السجناء في السجن كنتم تعذبونهم ويقتلون تحت التعذيب، ألم تكن هناك وسيلة أخرى لتفادي ذلك؟
بول أوساريس: نعم نعم، لا، نشاطي في فيليب فيل كانت تبرره المستجدات والوقائع، أقصد اعتداء العامل على زميله والتفجيرات التي تلت .. لذلك كان من واجبي الحصول على المعلومات، ثم العمل على استغلالها ولم يكن ذلك بالأمر الهين، خاصة مع الجزائريين لذلك يمكنني القول إنني لم أقم بأعمال تعذيب، حتى أحداث العشرين من آب-أغسطس.
سامي كليب: هل مات الكثيرون تحت التعذيب خلال عملك؟
بول أوساريس: كلا، كان هناك القليل.
سامي كليب: حتى أنت تقول في مذكراتك أن قلة من السجناء الذين كنا نسألهم ونحقق معهم في الليل يبقون على قيد الحياة في غداة ذلك الليل.
بول أوساريس: هذا صحيح، ولكن كانت هناك قلة منهم تحت إشرافي ومسؤوليتي.
سامي كليب: الآن مع الكشف عن.. عن أرشيف الجيش الفرنسي والمذكرات التي تصدر بعد 50 عاماً، نقرأ الكثير من عمليات اغتصاب نساء، هل كانت تحصل هذه العمليات تحت إشرافك أيضاً؟
بول أوساريس: لم تحصل أي عملية اغتصاب تحت مسؤوليتي الشخصية أو في إطار الوحدات التي عملت فيها سواء في فيليب فيل أو في الجزائر العاصمة.
سامي كليب: أثرت جدلاً كبيراً في فرنسا بكشفك معلومات تفيد أن الرئيس السابق (فرانسوا ميتيران) حين كان وزيراً للداخلية، وأيضاً وزيراً للعدل كان على علم بكل عمليات التعذيب يوماً بيوم، هل صحيح كان على علم بذلك؟
بول أوساريس: لن أغير شيئاً من أقوالي، لقد كان فرانسوا ميتيران على اطِّلاع يومي على ما يحدث على الأقل في مركز الجزائر العاصمة، وهنا أؤكد على أن ذلك كان يتم بشكل يومي.
سامي كليب: ما الدور الذي لعبه القاضي (بيرار) بينكم وبين ميتيران من أجل إعلامه بما يحصل؟
بول أوساريس: عندما قررت الحكومة الفرنسية في يناير - كانون الثاني عام 57 إصدار صلاحيات واسعة وخاصة للعسكريين في الجزائر من خلال تعيين (ماسيو) ووفر له الحاكم (لاكوست) جميع التسهيلات من أجل إنجاح عمله، ذلك أنه كان للكتيبة العاشرة للمظلِّيين دور أساسي في الحفاظ على الأمن.
سامي كليب: ولكن سيد أوساريس هل القاضي الذي ذكرناه القاضي بيرار كان أعلمكم بأن لديكم الضوء الأخضر لتصفية قادة جبهة التحرير والمناضلين آنذاك، وهل كان يعلن ميتيران يومياً؟
بول أوساريس: ليس الأمر كذلك بالنسبة لي، ولكن بإمكاني الجزم بأن السلطات الحكومية كانت على اطِّلاع دقيق ويومي على ما يجرى من قبل الجنرال (ماسيو) والحاكم لاكوست.
سامي كليب: طبعاً الآن من الصعب التحقق من هذه المعلومات، فرانسو مبتران قد توفي وكذلك القاضي بيرار ولكن نُشرت رسائل باسم الرئيس فرانسوا ميتيران التي يشجب فيها عمليات التعذيب، إذن هل كان على علم ونفى ذلك فيما بعد أم أنه لم يكن يعلم بكل ما يحصل؟
بول أوساريس: السيد ميتيران كان يُحاط علماً بشكل يومي بأحداث الليلة السابقة.
سامي كليب: القضية الأخرى الكبيرة الأهمية في الواقع في الجزائر كانت كيفية قتل المناضل الجزائري الكبير العربي بن مهيدي في سجنه، وكنت أنت المشرف على الاعتقال والقتل أيضاً وقيل فيما بعد أنه انتحر، هل يمكن أن تخبرنا ما الذي حصل؟
بول أوساريس: أُلقي القبض على العربي بن مهيدي من قبل وحدات المظليين التي يشرف عليها الكولونيل (بيجار) بيجار هذا القائد المظلي الكبير الذي أعرفه جيداً، فقد تم إنزالنا معاً خلال المقاومة..
سامي كليب [مقاطعاً]: وهو الذي أوقفه..
بول أوساريس: تم إيقافه واعتبر أنه القائد الأول لجبهة التحرير الجزائرية، كما ألقى الجنرال بيجار القبض على العديد من الإرهابيين، ممن احترفوا العنف، وكان يعلم أن هؤلاء الصعاليك والمنحرفين قاموا بأعمال تفجير في أحد أحياء العاصمة الجزائرية، ومع ذلك فقد استفسرني عن مصيرهم، طبعاً لم يكن بالإمكان أن أقدمهم للسلطات القضائية، تلك السلطات كانت عاجزة عن الحسم سريعاً بشأنهم لأنهم كثيرون، وبناء على ذلك فإن الحل كان في إعدامهم، ولكن الكولونيل بيجار رفض هذا الحل، وطلب مني استشارة الجنرال ماسيو، هذا الأخير أيضاً لم يكن على علم بالأمر، خلال المحادثة أقبل علينا (ماك سلوجان) كاتب الدولة لشؤون الحرب، أي الرجل الثاني إدارياً بعد وزير الدفاع، فتوجه له ماسيون بالحديث قائلاً: لست أدري ماذا سأفعل بهذه العصابة من القتلة؟ فرد عليه ماك سلوجان بالقول: اسمعني جيداً، عندما علمت الحكومة الفرنسية أن الرجل الأول في جبهة التحرير الجزائرية مع عدد من مساعديه في لجنة التنسيق والمتابعة في جبهة التحرير، عندما علمت بأنهم كانوا على أهبة الاستعداد للسفر، .. طائرة من المغرب إلى تونس كما ذكرت مع خمسة من مساعديه من لجنة التنسيق والمتابعة، إذن قررت الحكومة الفرنسية إرسال مقاتلاتها الحربية من أجل العمل على تفجير الطائرة التي كانت تُقِلُّ بن بيلا ومساعديه، وبالفعل فقد أُعطيت الأوامر لذلك، ولكن المعلومات التي وردت من المغرب أفادت..
سامي كليب: أن فريق الطائرة كان فرنسياً.
بول أوساريس: نعم، تراجعت إذن الحكومة الفرنسية عن قرار التفجير، بل أرغمت الطائرة على الهبوط في الجزائر وهذا ما تم فعلاً، وسُجن بن بيلا ومن معه من قياديي جبهة التحرير، ولذا أُسندت قيادة الجبهة إلى بن مهيدي وإلى أربعة من الأعضاء الآخرين في الجبهة، من الطبيعي أن الكولونيل بيجار كان يعلم أنه أُلقي القبض على الرجل الأول في جبهة التحرير بعد سجن بن بيلا وهنا تدخل ماسيو قائلاً لبيجار: لعلك فهمت الآن ماذا عليك أن تفعل به.
سامي كليب: وانتقل إذن بلميهدي إلى.. تحت إشرافك المباشر وقررت أن تقتله في السجن؟
بول أوساريس: نعم، ولكن انتظر قبل القرار بتصفيته كان علينا أن ننتهي من أمر 15 إرهابيا سجنهم بيجار، وكان ماسيون قد طلب من ماك سلوجان رأيه بشأن مصيرهم فرد لوجان بالقول: لو لم نرغم طاقم الطائرة التي تقل بن بيلا..
سامي كليب: كنا قتلنا بن بيلا.
بول أوساريس: نعم، كنا قتلنا جميع من في الطائرة، هل فهمت الآن؟ ثم استطرد لوجان قائلاً لماسيون: عليك أن تضع حداً لنشاط جبهة التحرير مهما كان الثمن. مهما كان الثمن هل فهمت؟
سامي كليب: إذن فهمتم من ماك سلوجان الذي كان وزيراً للحربية انه يمكنكم قتل بن بيلا.
بول أوساريس: بدأنا بتصفية كل الإرهابيين أما بن مهيدي فقد كان بيجار يعتزم الإبقاء عليه قيد الحياة على أن يقنعه بالتعاون مع فرنسا، وقد حضرت شخصياً حواراً طويلاً جمع بين بيجار وبلمهيدي، وكان بيجار يقول له أنت الآن معتقل وبإمكاننا أن نجد حلاً يرضي الجميع، وهنا أؤكد أن بيجار لم يلجأ أبداً إلى تعذيب بن مهيدي.
سامي كليب: وعبر الآخرين؟
بول أوساريس: سألني بيجار يوماً: ماذا عسانا أن نفعل به الآن وعلينا أن نُذكر هنا بأن تحركاً دولياً قد كان قيد الإعداد تحت إشراف الأمم المتحدة، وكان لاكوست يخشى محاكمة علنية لـ بملهيدي تأخذ أبعاد واسعة، ولذا.. لذا قرر بيجار التخلص من بن مهيدي خصوصاً وأن هذا الأخير قد مده بمعلومات كثيرة من دون تعذيب ومن دون قصد، للتباهي.. للتباهي، كان يقول نحن نملك كذا وكذا وأن الإمدادات كانت تأتينا من هذا البلد أو من ذاك.
سامي كليب: هل شعرت بأنه كان قوي الشخصية خلال التعذيب أو خلال المحاكمة؟
بول أوساريس: نعم، لكنه كان يتباهى قائلاً: أنتم محظوظون لأنكم تتفاوضون مع طرف قوي هو جبهة التحرير الوطني.
سامي كليب: إذن هنا اتخذتم القرار بتصفيته؟
بول أوساريس: كنت ألتقي بالقاضي بيرار يومياً، وكان يقول لي: صديقي العزيز تعلم أن كل القادة، قادة المصالح الخاصة والمخابرات يحملون شيئاً من السم يخبئونه جيداً تحت ثيابهم.
وبما أن بملهيدي هو أحد قادة جبهة التحرير الجزائرية فأنه كغيره من قادة المخابرات الفرنسيين والألمان والبريطانيين، يحمل بين طيات ثيابه سمًّا يتجرعه متى احتاج إلى ذلك.
هل فهمت مغزى كلامي؟
سامي كليب: إذن فهمتم أنه بإمكانكم قتل العربي بن مهيدي ثم إعطاء الانطباع بأنه قد انتحر؟
بول أوساريس: هذا صحيح، كان علينا أن نفعل ذلك، ولم يكن هناك مجال للاختيار.
سامي كليب: كيف حصل إذن، عملية القتل؟
بول أوساريس: لم نجد سماً، لم نجد أي سم.
سامي كليب: شنقته، كيف كانت ردة فعله قبيل أن تشنقه بيديك؟
بول أوساريس: لم يكن له أي رد فعل، ولم أطلب منه أنا أي تعليق.
سامي كليب: لم يقل شيئاً؟
بول أوساريس: آخر تصريح له كان خلال حواره مع بيجار، كان بيجار يقول له: لقد وشى بك رفاقك الأربعة في لجنة التنسيق والمتابعة، وما دفعهم إلى ذلك هو أنك عربي، أما هم فإنهم من القبائل، وبفضل وشايتهم هذه تمكنَّا من العثور على الشقة التي كنت تختبئ فيها.
سامي كليب: لم يكن ذلك صحيحاً.
بول أوساريس: طبعاً لم يكن ذلك صحيحا، لم يكن ذلك صحيحاً، بعد ما قال له بيجار ذلك رد عليه بملهيدي قائلاً: لا لم يشِ بي رفاقي، وإذا كنتم قد تمكنتم من القبض علي فإن ذلك يعود إلى الحظ الذي كان بجانبكم، الحظ الذي كان حليفكم.
لم يكن تفسير بن مهيدي صحيحاً، لأنه كان ضحية وشاية.
سامي كليب: مَن كان؟
بول أوساريس: أحد العرب الأغنياء..
سامي كليب: كان ابن أحد الأغنياء واسمه بن تشيكو، هل شعر أنه سيموت شنقاً بين يديك؟
بول أوساريس: لا أعتقد ذلك.
سامي كليب: لماذا؟
بول أوساريس: من خلال تصرفاته، لقد أدرك ذلك في اللحظة الأخيرة.
سامي كليب: هل شعرت بالارتياح بعد قتله؟
بول أوساريس: نعم.. نعم.
سامي كليب: والمحامي أيضاً، المحامي المناضل علي بومنجل أيضاً قتلته.
بول أوساريس: نعم، ، لقد كان يلعب المحامي بومنجل دوراً مهماً جداً داخل جبهة التحرير الجزائرية، دوراً مهماً من خلال اتصالاته الواسعة والمستمرة مع الحكومات الأجنبية، وقد كان بمثابة وزير للخارجية.
سامي كليب: كيف حصل ذلك؟
بول أوساريس: لا أرغب بالحديث عن الأمر.
سامي كليب: حين طرحت عليك السؤال حول بن مهيدي أجبت بالتفصيل، لكن حول بومنجل لا تريد الإجابة؟ ما الذي يمنعك؟
بول أوساريس: قلت من الصعب علي الحديث بشأن وفاة بومنجل، لأني الآن ملاحق قضائياً، كما أن بعض خصومنا القدامي يعملون على إدراج نشاط أجهزة الأمن في الجزائر ومن ضمنها مقتل علي بومنجل، ضمن لائحة جرائم الحرب، هذا ما كان يتمناه أعداؤنا، أما السؤال لماذا قُتل على بومنجل خلال حرب الجزائر العاصمة؟ طبعاً لن أعيد سر ما قلته بشأن بن مهيدي، ولكن أُذكِّر فقط بأن حادثة توقيف علي بومنجل كانت حادثة معروفة من قبل الجميع، ومع أن علي بومنجل لم يكن يحتل مركزاً مهماً داخل الجبهة جبهة التحرير الوطني، ومثلما كان الحال بالنسبة لبلمهيدي، ولكنه كان يقوم بدور أساسي داخل الجبهة، كان له دور أساسي، إذ أنه كان يعتبر بمثابة وزير للخارجية داخل جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ذلك كان يُشكِّل القبض عليه حدثاً مهماً لا بل بالغ الأهمية بالنسبة إلينا وبالفعل لقد حققنا نقطة إضافية لمصلحتنا من خلال القبض عليه، إنه كان شخصية أساسية من جبهة التحرير.
سامي كليب: الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) كان بعث لك في السابق برسالة شكر، وربما رسالة تعاطف أيضاً في إحدى مراحل حياتك، ثم كان في طليعة من اتخذ قرارات ضدك بعد نشر الكتاب، ما الذي غيَّر رأيه؟
بول أوساريس: بالضبط، لقد أرسل إليَّ الرئيس (جاك شيراك) مكتوباً عندما كان حينها رئيساً لبلدية باريس أو وزيراً، لقد أرسل الرسالة للتعبير عن تهانيه بمناسبة حلول السنة الميلادية، آنذاك لم أكن معروفاً إعلامياً، كنت معروفاً كمسؤول عن جميعة قدماء المحاربين المناضلين.
سامي كليب: إذن لم يكن يعرف ما الذي كنت تفعله في الجزائر من عمليات تعذيب؟
بول أوساريس: لقد كان الجميع يعلم.
سامي كليب: ما هي الصورة الأكثر سوداوية التي حفظتها عن معركة الجزائر؟
بول أوساريس: إنه مشهد الموتى خلال عمليات تفجير، مثل تفجير الملعب الكبير أو الاستاد، لا أذكر تحديداً أمثلة أخرى، لا أذكر، ولكنها عمليات لم تنقطع أبداً خلال حرب الجزائر العاصمة، وقد أحدثت ضجيجاً كبيراً.
سامي كليب: ومن الجهة الجزائرية جهة ضحاياكم، هل حفظت بعض الصور المأساوية؟
بول أوساريس: صور مؤلمة؟ نعم أتذكر مشاهد مؤلمة من أحداث منجم فيليب فيل من بين الأطفال الموتى.
سامي كليب: مثلاً.
بول أوساريس: نعم، أطفال موتى.
موقف أوساريس من أحداث الجزائر بين الماضي والحاضر
سامي كليب: دائماً حين تتحدث عن الجزائريين، في الواقع تتحدث عن ضحاياكم أنتم، ولكن ألا تعتقد أنكم أنتم أيضاً قمتم بجرائم فظيعة ضد الجزائريين؟
بول أوساريس: لا، فيما يعنيني أنا لم أقم بأي أعمال تعذيب ضد الجزائريين، كل ما قمت به من أعمال كان يندرج في إطار حصري للبحث عن المعلومات.
سامي كليب: ولكن تصفية السجناء في السجون، ألم يكن أيضاً فعلاً شنيعاً من قِبَلِكم؟
بول أوساريس: السجناء الذين قُتلوا في سجنهم لم يكونوا سجناء بالمعنى الذي نصت عليه اتفاقية جنيف، بل كانوا في الحقيقة مجرمين.
سامي كليب: تستخدم الآن عبارة مجرمين عن مناضلي الجزائر، هل الآن مع الوقت فهمت أنهم كانوا يقاتلون من أجل استقلال بلادهم وأنهم ليسوا مجرمين؟
بول أوساريس: بالنسبة إلينا لم يكن هؤلاء سوى مجموعة من المجرمين، لأن ضحاياهم من الأبرياء من الأطفال، من النساء، ومن الشيوخ.
سامي كليب: لماذا لم تفهم الآن معركتهم ونضالهم مع الوقت؟
بول أوساريس: أنا لست مقتنعاً بأولئك، أنا أتفهم عمل الجيش على الساحة كنشاط جيش التحرير الجزائري، ولكنني لا أفهم الغاية من استهداف العُزل ومن عمليات التفجير.
سامي كليب: ولكن الآن مع الوقت سياسياً هل لازلت مع الجزائر الفرنسية؟
بول أوساريس: أفهم جيداً سبب إصرار الكثير من الفرنسيين آنذاك على اعتبار الجزائر فرنسية.
سامي كليب: ولكن الآن.. ولكن أنت بالنسبة لك هل الآن..؟
بول أوساريس: لا أعتقد أنه كان بالإمكان أن تنال الجزائر الاستقلال، وتبقى شديدة الارتباط بفرنسا.
سامي كليب: حتى الآن؟
بول أوساريس: نعم، الآن.
سامي كليب: سنطوي صفحة الجزائر بما فيها من رعب حتى الآن، ولكن أود أن أسألك عن بعض علاقاتك العربية مثلا العلاقة مع الجنرال عون الذي يعيش في فرنسا الآن هل عملت لأجله، وما هي علاقتك به؟
بول أوساريس: أجل لي علاقة بالِجنرال ميشيل عون من خلال عملي في إطار شركة ماتومسون..
سامي كليب: للسلاح.
بول أوساريس: نعم.
سامي كليب: أي نوع من أنواع السلاح؟
بول أوساريس: تقنية.. تقنية.
سامي كليب: هل كان بحاجة لهذه العلاقة العسكرية وهو في فرنسا؟
بول أوساريس: نعم، الجنرال ميشيل عون كان لا يزال من أهم القادة العسكريين في لبنان.
سامي كليب: في لبنان؟
بول أوساريس: في لبنان، ولكنني تمكنت من مساعدته من خلال أعمال قمت بها هنا، فالجنرال عون كان يتنقل بين لبنان وفرنسا، وكان يواجه بعض في الأحيان مشاكل عسكرية تقنية، وبما أنه كان يتعاون مع شركتي فإنني كنت سعيداً بتقديم النصائح الاستشارية لمساعديه بشأن بعض المصاعب التقنية.
سامي كليب: دائماً في هذا المجال.. المجال العسكري ماتومسون هل عملت مع دول عربية كالعراق مثلاً أو الإمارات أو الخليج؟
بول أوساريس: نعم، عملت مع دول عربية كالعراق.
سامي كليب: أود أن نختم هذه المقابلة بسؤال طُرح عليك لا شك مراراً: لماذا قررت الآن الحديث عن تلك الفترة المؤلمة بعد أربعين عاماً من الصمت؟
بول أوساريس: لقد اضطررت للكتابة عن هذا الموضوع، وتحديداً ما دفعني إلى ذلك بكل بساطة هو زيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا عام 2000 مما أعاد إلى الواجهة أحداث حرب الجزائر، لقد شدد الرئيس الجزائري على نشاط الجيش الفرنسي في الجزائر، وتحديداً على أعمال التعذيب خلال حرب الجزائر العاصمة، ولذلك..
سامي كليب: ألا تعتقد أنه يحق للجزائريين أن يطالبوا الآن بمحاكمتكم؟
بول أوساريس: لا.. لا أعتقد ذلك، فأنا شخصياً ومن وجهة نظري أرى أن ما قمت به كان دفاعاً عن النفس، وإن عملي كان يهدف إلى التصدي للتهديدات الإرهابية ضد المواطنين الفرنسيين والمسلمين في الجزائر ومن أجل حمايتهم، فلم يكن هناك من داع مثلاً للتدخل خلال معارك (فيليب فيل)، لو لم تحدث المجازر العالية، وفي العاصمة مثلاً أذكر التفجيرات التي حصلت في الملعب الكبير في الاستاد، وبناء عليه فإن المسؤول عن كل ذلك هي جبهة التحرير الجزائرية، لذلك كان من الواجب.. من واجب السلطات الفرنسية في الجزائر أن تضع حداً لنشاط هذه المنظمات، كان على.. على الحكومة الفرنسية أن تقوم بذلك، وأن تضع حداً لنشاط هذه المنظمات.
سامي كليب: ولكن فرنسا التي كانت تحتل الجزائر، وكان يحق لهؤلاء أن يدافعوا عن بلدهم ويحرروها أيضاً.
بول أوساريس: نعم، ولكن بالنسبة إلي ولكثير من الفرنسيين كان الوجود الفرنسي في الجزائر أمراً واقعاً لا ينكره الفرنسيون.
سامي كليب: هل تأسف على شيء من تلك الحقبة اليوم مع.. مع الوقت؟
بول أوساريس: أي نعم، أنا متأسف، لأنني كنت مرغماً على المشاركة في هذه الأعمال ولكن هذا ما حصل.
سامي كليب: نادم لا شك، فالضمير لابد وأن يصحو يوماً حتى ولو متأخراً، ولكن ماذا عن كل الذين منحوه هذه الأوسمة، متى يحاكمهم التاريخ؟ بل هل سيحاكمهم يوماً؟

حقيقة العربي بن مهيدي !!!

كيف مات العربي بن مهيدي

 

محمد العربي بن مهيدي مناضل جزائري وأحد قادة الثورة الجزائرية، من مواليد مدينة عين مليلة الواقعة في شرق الجزائر.
ولد العربي بن مهيدي في عام 1923 بدوار الكواهي بناحية عين مليلة التابعة لولاية أم البواقي وهو الابن الثاني في ترتيب الاسرة التي تتكون من ثلاث بنات وولدين، دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية بمسقط رأسه وبعد سنة دراسية واحدة انتقل إلى باتنة لمواصلة التعليم الابتدائي ولما حصل على الشهادة الابتدائية عاد لأسرته التي انتقلت هي الأخرى إلى مدينة بسكرة وفيها تابع محمد العربي دراسته وقبل في قسم الإعداد للإلتحاق بمدرسة قسنطينة. في عام 1939 إنضم لصفوف الكشافة الإسلامية "فوج الرجاء" ببسكرة، وبعد بضعة أشهر أصبح قائد فريق الفتيان.

محتويات

نشأته

كان العربي بن مهيدي ملتزما بواجباته الدينية والوطنية، إلا أن هذا لم يمنعه من حب الفن فكان يهوى أغاني المطربة فضيلة الجزائرية. وكان أيضا يحب الموسيقى خاصة الأندلسية منها مما جعله عطوفا حنونا، كما كان يكثر من مشاهدة الأفلام ولاسيما الأفلام الحربية والثورية كالفيلم الذي يدور محتواه حول الثائر المكسيكي زاباتا فاتخذ هذا الاسم كلقب سري له قبل أندلاع الثورة، مثلما كان يلقب أيضا بالعربي البسكري والحكيم، كان بن مهيدي يهوى المسرح والتمثيل، فقد مثل في مسرحية "في سبيل التاج" التي ترجمها إلى اللغة العربية الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي وكانت مسرحيته مقتبسة بطابع جزائري يستهدف المقتبس من خلالها نشر الفكرة الوطنية والجهاد ضد الاستعمار. كان بن مهيدي لاعبا في كرة القدم فكان أحد المدافعين الأساسيين في فريق الاتحاد الرياضي الإسلامي لبسكرة الذي أنشأته الحركة الوطنية، ولقد كان هذا الرجل يستعمل كل الأساليب العصرية والحديثة لخدمة الجزائر التي فداها بدمه وروحه فقد كان رمز الرجل الذي يحب وطنه ويلتزم بمبادئ دينه ويعيش عصره وينظر إلى المستقبل ويفكر في كيفية بنائه، وقد كتب عنه أحد العارفين به في عدد 20 أغسطس 1957 من جريدة المجاهد التي كانت تتحدث باسم الثورة الجزائرية آنذاك يقول أنه "شاب مؤمن، بر وتقي، مخلص لدينه ولوطنه، بعيد كل البعد عن كل ما يشينه. كان من أقطاب الوطنية ويمتاز بصفات إنسانية قليلة الوجود في شباب العصر، فهو من المتدينين الذين لا يتأخرون عن أداء واجباتهم الدينية، لا يفكر في شيء أكثر مما يفكر في مصير بلاده الجزائر، له روح قوية في التنظيم وحسن المعاملة مع الخلق ترفعه إلى درجة الزعماء الممتازين. رجل دوخ وأرهق الاستعمار الفرنسي بنضاله وجهاده على بلاده ودينه.

النشاط السياسي

في عام 1942 إنضم لصفوف حزب الشعب بمكان إقامته، حيث كان كثير الاهتمام بالشؤون السياسية والوطنية، في 8 مايو 1945 وكان من بين المعتقلين ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أسابيع قضاها في الاستنطاق والتعذيب بمركز الشرطة. عام 1947 كان من بين الشباب الأوائل الذين التحقوا بصفوف المنظمة الخاصة حيث ما لبث أن أصبح من أبرز عناصر هذا التنظيم وفي عام 1949 أصبح مسؤول الجناح العسكري بسطيف وفي نفس الوقت نائبا لرئيس أركان التنظيم السري على مستوى الشرق الجزائري الذي كان يتولاه يومذاك محمد بوضياف، وفي عام 1950 ارتقى إلى منصب مسؤول التنظيم بعد أن تم نقل محمد بوضياف للعاصمة. بعد حادث مارس 1950 إختفى عن الأنظار وبعد حل المنظمة عيّن كمسؤول الدائرة الحزبية بوهران إلى 1953. وعند تكوين اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954 أصبح من بين عناصرها البارزين ثم عضوا فعالا في جماعة 22 التاريخية.
المنزل الذي عاش فيه العربي بن مهيدي في مدينة بسكرة من عام 1938 حتى إلى عام 1949

نشاطه أثناء الثورة

لعب بن مهيدي دورا كبيرا في التحضير للثورة المسلحة، وسعى إلى إقناع الجميع بالمشاركة فيها، وقال مقولته الشهيرة إلقوا بالثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب وأيضا أعطونا دباباتكم وطائراتكم وسنعطيكم طواعية حقائبنا وقنابلنا، وأصبح أول قائد للمنطقة الخامسة وهران. كان الشهيد من بين الذين عملوا بجد لانعقاد مؤتمر الصومام التاريخي في 20 أوت 1956، وعّين بعدها عضوا بلجنة التنسيق والتنفيذ للثورة الجزائرية (القيادة العليا للثورة)، قاد معركة الجزائر بداية سنة 1956.

مقتله

العربي بن مهيدي في أيامه الأخيرة
اعتقل نهاية شهر فيفري 1957 وقتل تحت التعذيب ليلة الثالث إلى الرابع من مارس 1957.[1] قال فيه الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار بعد أن يئس هو وعساكره أن يأخذوا منه إعترافا أو وشاية برفاقه بالرغم من العذاب المسلط عليه لدرجة سلخ جلد وجهه بالكامل وقبل اغتياله رفع بيجار يده تحية لبن مهيدي ثم قال : لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم. في عام 2001 اعترف الجنرال الفرنسي بول أوساريس لصحيفة لوموند أنه هو من قتل العربي بن مهيدي شنقاً بيديه.

 

 

إبتسامة الشهيد البطل العربي بن مهيدي

الجنرال الفرنسي بول أوسارس صاحب ابشع طرق التعذيب في الجزائر إبان الثورة الجزائرية عام 1954 , و اعترف في مذكراته بقتل أكثر من 900 جزائري تحت التعذيب و انه كان يتلذذ بتعذيبهم .

منحته فرنسا ارفع الاوسمة و لم تحاكمه لجرائمه التى اعترف بها لكنها حاكمته بسبب اعتذاره عن تلك الجرائم وسحبت منه اوسمة الشرف نتيجة لاعتذاره عن الماضي الاستعماري .

و يذكر أوساريس أن الشخص الوحيد التى إستطاع أن يصمد امام اساليب تعذيبه هو المقاوم الجزائري العربي بن مهيدي و الذي وصفه بأنه لا توجد إمراة في العالم كله سوف تلد رجلا بشجاعة بن مهيدي .